الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  والجواب   : أما قوله [1] عن عامر بن واثلة وما ذكره يوم الشورى ، فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث [2] ، ولم يقل علي رضي الله عنه يوم الشورى  شيئا من هذا ولا ما يشابهه [3] ، بل قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : لئن أمرتك لتعدلن ؟ قال : نعم . قال : وإن [4] بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن ؟ قال : نعم . وكذلك قال لعثمان . ومكث عبد الرحمن [5] ثلاثة أيام يشاور المسلمين .

                  ففي الصحيحين [6] - وهذا لفظ البخاري [7] - عن عمرو بن ميمون في [ ص: 60 ] مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن [8] : اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم . قال [9] الزبير : قد جعلت أمري إلى علي . وقال [10] طلحة : قد جعلت أمري [ إلى عثمان . وقال سعد : قد جعلت أمري ] [11] إلى عبد الرحمن [12] . فقال عبد الرحمن : أيكم تبرأ [13] من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام . لينظرن أفضلهم في نفسه [14] ؟ فأسكت الشيخان . فقال عبد الرحمن : أتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو [15] عن أفضلكم . قالا : نعم ، فأخذ بيد أحدهما ، فقال : لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت ، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن . ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، فلما أخذ الميثاق قال : ارفع يدك يا عثمان [16] .

                  [ ص: 61 ] وفي حديث المسور بن مخرمة [17] قال المسور [18] : إن الرهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا . قال لهم عبد الرحمن [19] : لست بالذي أتكلم في هذا الأمر [20] ولكنكم إن شئتم [21] اخترت لكم منكم فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن ، فلما ولوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن [ حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه ، ومال الناس على عبد الرحمن ] [22] يشاورونه تلك [23] الليالي ، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا [24] عثمان . قال المسور : طرقني عبد الرحمن بعد هجع [25] من الليل ، فضرب الباب حتى استيقظت ، فقال : أراك نائما ؛ فوالله ما اكتحلت هذه الليلة [26] بكبير نوم ، انطلق فادع الزبير وسعدا ، فدعوتهما له ، فشاورهما [27] ، ثم دعاني ، فقال : ادع لي عليا ، فدعوته ، فناجاه [ حتى إبهار الليل ، ثم قام علي من عنده وهو على طمع ، وقد كان عبد الرحمن يخشى [ ص: 62 ] من علي شيئا . ثم قال : ادع لي عثمان ، فدعوته فناجاه ] [28] حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح ؛ فلما صلى الناس الصبح ، واجتمع أولئك الرهط عند المنبر أرسل إلي من [29] كان حاضرا من المهاجرين والأنصار ، وأرسل إلى أمراء الأجناد ، وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ، ثم قال : أما بعد يا علي إني [30] قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعلن على نفسك سبيلا . فقال : أبايعك على سنة الله ورسوله [31] والخليفتين من بعده ، فبايعه عبد الرحمن ، وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون . هذا لفظ البخاري .

                  وفي هذا الحديث الذي ذكره هذا الرافضي أنواع من الأكاذيب التي نزه الله عليا عنها ، مثل احتجاجه بأخيه وعمه وزوجته ، وعلي رضي الله عنه أفضل من هؤلاء ، وهو يعلم أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم . ولو قال العباس : هل فيكم مثل أخي حمزة ومثل أولاد إخوتي [32] محمد وعلي وجعفر ؟ لكانت هذه الحجة من جنس تلك ، بل احتجاج الإنسان ببني إخوته أعظم من احتجاجه بعمه . ولو قال عثمان هل فيكم من تزوج بنتي نبي [33] ؟ لكان من جنس قول القائل هل فيكم من زوجته كزوجتي [34] ؟ وكانت فاطمة قد ماتت قبل الشورى كما ماتت زوجتا عثمان ، فإنها ماتت [ ص: 63 ] بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ستة أشهر [35] .

                  وكذلك قوله : هل فيكم من له ولد كولدي [36] ؟ .

                  وفيه أكاذيب متعددة ، مثل قوله : ما سألت الله شيئا إلا وسألت لك مثله . وكذلك قوله : لا يؤدي عني إلا علي . من الكذب [37] .

                  وقال الخطابي في كتاب شعار الدين [38] : وقوله : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي . هو شيء جاء به أهل الكوفة عن زيد بن يثيع [39] ، وهو متهم في الرواية منسوب إلى الرفض . وعامة [40] من بلغ عنه غير أهل بيته ، فقد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسعد بن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام ويعلم الأنصار القرآن ويفقههم في الدين . وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك ، وبعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن ، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة . فأين قول من زعم أنه لا يبلغ عنه إلا رجل من أهل بيته ؟ .

                  وأما حديث ابن عباس ففيه أكاذيب : منها قوله : كان لواؤه معه في كل [ ص: 64 ] زحف ؛ فإن هذا من الكذب المعلوم ، إذ لواء النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس ، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام ، وأمره [41] رسول الله [42] - صلى الله عليه وسلم - أن يركز رايته بالحجون ، فقال العباس للزبير بن العوام [43] : أهاهنا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تركز الراية ؟ أخرجه البخاري في صحيحه [44] . وكذلك قوله : " وهو الذي صبر معه يوم حنين " .

                  وقد علم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس آخذ [45] بلجام بغلته ، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه ، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم : " ناد أصحاب السمرة " قال : فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة ؟ فوالله كأن عطفتهم علي حين سمعوا صوتي عطفة [46] البقر على أولادها ، فقالوا : يا لبيك يا لبيك . والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، " ونزل عن بغلته وأخذ كفا من حصى فرمى بها [47] القوم وقال : " انهزموا ورب الكعبة " قال العباس : " فوالله ما هو إلا [ ص: 65 ] أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا ، حتى هزمهم الله " . أخرجاه في الصحيحين [48] . وفي لفظ للبخاري قال : " وأبو سفيان آخذ بلجام بغلته [49] " وفيه : " قال العباس : لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فلم نفارقه " [50] .

                  وأما غسله - صلى الله عليه وسلم - وإدخاله قبره ، فاشترك فيه أهل بيته ، [ ص: 66 ] كالعباس وأولاده ، ومولاه شقران [51] ، وبعض الأنصار ، لكن علي كان [52] يباشر الغسل ، والعباس حاضر لجلالة العباس ، وأن عليا أولاهم بمباشرة ذلك .

                  وكذلك قوله : " هو أول عربي وعجمي [53] صلى " يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية