الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وهم كلهم متفقون على أن العدم من جملة العلل ، وهو مأخوذ عن [ ص: 243 ] أرسطو قال أرسطو في ( مقالة اللام ) التي هي منتهى فلسفته ، وهي علم ما بعد الطبيعة :

                  ( . وأما على طريق المناسبة ، فأخلق بنا - إن نحن اتبعنا ما وصفنا - أن نبين أن مبادئ جميع الأشياء الموجودة ثلاثة : العنصر ، والصورة ، والعدم . مثال ذلك في الجوهر المحسوس أن الحر نظير الصورة والبرد نظير العدم والعنصر هو الذي له هذان بالقوة ، وفي باب الكيف يكون البياض نظير الصورة والسواد نظير العدم ، والشيء الموضوع لهما هو السطح في قياس العنصر ، ويكون الضوء نظير الصورة ، والظلمة نظير العدم ، والجسم القابل للضوء هو الموضوع لهما ، فليس يمكن على الإطلاق أن تجد عناصر هي بأعيانها عناصر لجميع الأشياء ، وأما على طريق المناسبة والمقايسة فأخلق بها أن توجد ) .

                  قال : ( وليس طلبنا الآن طلب عنصر الأشياء الموجودة لكن قصدنا إنما هو طلب مبدئها ، وكلاهما سبب لها إلا أن [1] المبدأ قد يجوز أن يوجد خارجا عن الشيء مثل السبب المحرك ، وأما العناصر فلا يجوز أن تكون إلا في الأشياء التي هي منها ، وما كان عنصرا ، فليس [ مانع ] [2] يمنع من أن يقال له مبدأ ، وما كان مبدءا ، فليس له عنصر لا محالة .

                  وذلك أن المبدأ المحرك قد يجوز أن يكون خارجا عن المحرك ، ولكن [3] المحرك القريب من الأشياء الطبيعية هو مثل الصورة ، وذلك أن [ ص: 244 ] الإنسان إنما يلده إنسان ، وأما في الأشياء الوهمية ، فالصورة أو العدم ، مثال ذلك الطب والجهل به ، [ والبناء والجهل به ] [4] ، وفي كثير من الأمور يكون السبب المحرك هو الصورة ، من ذلك أن الطب من وجه ما هو الصحة ; لأنها المحركة ، وصورة البيت من وجه ما هي البناء ، والإنسان إنما يلده إنسان [5] .

                  وليس قصدنا لطلب المحرك القريب لكن قصدنا للمحرك الأول الذي منه يتحرك جميع الأشياء ، فالأمر فيه بين أنه جوهر ، وذلك أنه مبدأ الجواهر [6] ، ولا يجوز أن يكون مبدأ الجواهر [7] إلا جوهرا ، وهو مبدأ الجواهر [8] ، ومبدأ جميع الأشياء الموجودة ، ولم يكن التهيب من التصريح بهذا فيما تقدم صوابا ، فإن سائر الأشياء إنما هي أحداث وحالات للجوهر ، وحركات له ، وينبغي أن نبحث عن هذا الجوهر الذي يحرك الجسم كله ما هو هل يجب أن نضع أنه نفس ، أو أنه عقل ، أو أنه غيرهما بعد أن نحذر ونتوقى أن نحكم على المبدأ الأول بشيء من الأعراض التي تلزم الأواخر من الأشياء الموجودة ، ولكنه قد يوجد في أواخر الأشياء الموجودة ما هو بالقوة ، وأن يكون الشيء في الأوقات المختلفة على حالات مختلفة ، وأن لا يكون دائما على حال واحدة ، والأشياء التي تقبل الكون والفساد هي التي توجد بهذه الحال ، فإنك تجد الشيء فيها بعينه مرة بالقوة ، ومرة بالفعل .

                  [ ص: 245 ] مثال ذلك أن الخمر توجد بالفعل [9] بعد أن تغلى وتسكر ، وقد تكون موجودة بالقوة في وقت آخر إذ [10] كانت الرطوبة التي فيها تتولد إنما هي في نفس الكرم واللحم . وربما كان بالفعل ، وربما كان بالقوة في العناصر التي عنها تتولد ، وإذا قلنا بالقوة ، أو بالفعل ، فليس نعني شيئا غير الصورة والعنصر ، ونعني بالصورة التي يمكن أن تنفرد [11] من المركب من الصورة والعنصر ، فأما المنفرد فمثل الضوء والظلمة إذ كان يمكن فيها أن تنفرد عن الهواء ، والمركب منهما فمثل البدن الصحيح ، [ والبدن ] السقيم [12] ، وأعني بالعنصر الشيء الذي يمكن فيه أن يحتمل الحالتين كلتيهما مثل البدن ، فربما كان صحيحا ، وربما كان سقيما .

                  فهذا الشيء الذي بالفعل ، والذي بالقوة قد يختلف لا في العناصر الموجودة في الأشياء المركبة منهما أعني من الصورة والعنصر [13] لكن في الأشياء الخارجة عن الأشياء المركبة أيضا التي لم يكن عنصرها عنصر الأشياء التي تكون عنها ولا صورتها صورتها لكن غيرها .

                  فينبغي أن يكون هذا الأمر قائما في وهمك إذا قصدت البحث عن السبب الأول أن بعض العلل المحركة موافقة في الصورة للشيء المتحرك [14] قريبة منه ، وبعضها أبعد منه أما العلة القريبة [15] ، فمثل الأب ، [ ص: 246 ] وأما الشمس ، فهي [16] علة أبعد ، وأبعد من الشمس الفلك المائل ، وهذه الأشياء ليست عللا على طريق عنصر الشيء الحادث ، أو [17] على طريق صورة ، ولا على طريق عدم لكنها إنما هي محركة ، وهي محركة لا على أنها موافقة . [18] في الصورة قريبة مثل الأب لكنها أبعد ، وأقوى فعلا إذ كانت هي ابتداء العلل القريبة أيضا [19] ) . وذكر كلاما آخر ليس هذا موضع بسطه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية