( فصل ) [1]
[2] : " وأيضا لم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - ألبتة عملا في وقته ، بل ولى عليه أبا بكر تارة عمرو بن العاص وأسامة أخرى ، ولما أنفذه [3] بسورة " براءة " رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله ، وكيف يرتضي [4] العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي [5] - صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله لأداء عشر آيات من " براءة " ؟ ! " . قال الرافضي
[ ص: 490 ] والجواب : أن هذا من أبين الكذب ; فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم : أن على الحج عام تسع أبا بكر ، وهو أول حج كان في الإسلام من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن قبله حج في الإسلام ، إلا الحجة التي أقامها النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة ، فإن مكة فتحت سنة ثمان ، أقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد ، الذي استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة ، ثم أمر سنة تسع للحج ، بعد رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة أبا بكر تبوك ، وفيها أمر بالمناداة في الموسم : أبا بكر ، ولم يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان على مثل هذه الولاية ، فولاية أبي بكر كانت من خصائصه ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على الحج أحدا كتأمير أبي بكر ، ولم يستخلف على الصلاة أحدا كاستخلاف أبي بكر ، وكان أبي بكر من رعيته في هذه الحجة ، فإنه لحقه فقال : أمير أو علي [6] مأمور ؟ فقال : بل مأمور ، وكان علي يصلي خلف علي مع سائر المسلمين في هذه الولاية ، ويأتمر لأمره كما يأتمر له سائر من معه ، ونادى علي مع الناس أبي بكر [7] في هذه الحجة بأمر . أبي بكر
وأما ولاية غير فكانت مما يشاركه فيها غيره ، كولاية أبي بكر [ ص: 491 ] وغيره ، فلم يكن علي ولاية إلا ولغيره مثلها ، بخلاف ولاية لعلي فإنها من خصائصه ، ولم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر لا أبي بكر ، ولا أسامة بن زيد . عمرو بن العاص
فأما تأمير عليه فمن أسامة [8] الكذب المتفق على كذبه .
وأما قصة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أرسل عمرو بن العاص في سرية ، وهي غزوة عمرا ذات السلاسل [9] ، وكانت إلى بني عذرة ، وهم أخوال عمرو ، فأمر ليكون ذلك سببا لإسلامهم ، للقرابة التي له منهم ، ثم أردفه عمرا بأبي عبيدة ، ومعه أبو بكر وغيرهما من وعمر المهاجرين . وقال : " " فلما لحق تطاوعا ولا تختلفا قال : أصلي بأصحابي وتصلي بأصحابك ، قال : بل أنا أصلي بكم ، فإنما أنت مدد لي . فقال له عمرا أبو عبيدة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أطاوعك ، فإن عصيتني أطعتك . قال : فإنى أعصيك ، فأراد عمرو أن ينازعه في ذلك ، فأشار عليه أن لا يفعل أبو بكر [10] ، ورأى أن ذلك أصلح للأمر ، فكانوا يصلون خلف أبو بكر عمرو ، مع علم كل أحد [11] أن أبا بكر وعمر أفضل من وأبا عبيدة عمرو [12] .
[ ص: 492 ] وكان ذلك لفضلهم [13] وصلاحهم ; لأن كانت إمارته قد تقدمت لأجل ما في ذلك من تألف عمرا [14] قومه الذين أرسل إليهم لكونهم أقاربه ، ويجوز ، كما أمر تولية المفضول لمصلحة راجحة ليأخذ بثأر أبيه أسامة بن زيد ، لما قتل في غزوة زيد بن حارثة مؤتة ، فكيف والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على أحدا في شيء من الأمور ؟ ! أبي بكر
بل قد علم بالنقل العام المتواتر أنه لم يكن أحد عنده أقرب إليه [15] ولا أخص به ، ولا أكثر اجتماعا به ليلا و نهارا ، سرا وعلانية ، من ، [ ص: 493 ] ولا كان أحد من الصحابة يتكلم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله ، فيأمر وينهى ، ويخطب ويفتي ، يوقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك راضيا بما يفعل . أبي بكر
ولم يكن ذلك تقدما بين يديه ، بل بإذن منه قد علمه ، وكان ذلك معونة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتبليغا عنه ، وتنفيذا لأمره ; لأنه كان أعلمهم بالرسول وأحبهم [16] إلى الرسول وأتبعهم له .
وأما قول الرافضي : إنه لما أنفذه ببراءة رده بعد ثلاثة أيام ، فهذا من الكذب المعلوم أنه كذب ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر على الحج ، ذهب كما أمره ، وأقام الحج في ذلك العام ، عام تسع ، للناس ولم يرجع إلى أبا بكر المدينة حتى قضى الحج ، وأنفذ فيه ما أمره به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن المشركين كانوا يحجون البيت ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ، وكان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين عهود مطلقة ، فبعث وأمره أن ينادي : أبا بكر ، فنادى بذلك من أمره أن لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان بالنداء ذلك العام ، وكان أبو بكر من جملة من نادى بذلك في الموسم بأمر علي بن أبي طالب ، ولكن لما خرج أبي بكر أردفه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر لينبذ إلى المشركين العهود . بعلي بن أبي طالب
قالوا : وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع ، أو رجل من أهل بيته . فبعث عليا لأجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة ، لم يبعثه لشيء آخر ، ولهذا كان يصلي خلف [ ص: 494 ] علي ، ويدفع بدفعه في الحج ، كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في الموسم . أبي بكر
وكان هذا بعد غزوة تبوك ، واستخلافه له فيها على من تركه بالمدينة ، وقوله له : هارون من موسى ؟ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
ثم بعد هذا أمر على الموسم ، وأردفه أبا بكر مأمورا عليه بعلي لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، وكان هذا مما دل على أن لم يكن خليفة له ، إلا مدة مغيبه عن عليا المدينة فقط . ثم أمر عليه عام تسع ، ثم إنه بعد هذا بعث أبا بكر عليا ، وأبا موسى الأشعري إلى ومعاذا اليمن ، فرجع علي إليه ، وهو وأبو موسى بمكة في حجة الوداع ، وكل منهما قد أهل بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأما فلم يرجع إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، في خلافة معاذ - رضي الله عنه - . أبي بكر الصديق