( فصل ) [1]
قال الرافضي [2] : " فأي نسبة له بمن قال [3] : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض [4] . ، قال أبو البختري : رأيت صعد المنبر عليا بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، متقلدا بسيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( * متعمما [5] بعمامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفي إصبعه [6] خاتم رسول الله - صلى [ ص: 507 ] الله عليه وسلم - * ) [7] فقعد على المنبر ، وكشف [8] . عن بطنه ، فقال : سلوني [ من ] [9] . قبل أن تفقدوني ، فإنما بين الجوانح مني علم جم ، هذا سفط [10] . العلم ، هذا لعاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذا ما زقني [11] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زقا [12] من غير وحي إلي [13] ، فوالله ، لو ثنيت [14] . لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل [15] . التوراة بتوراتهم ، وأهل [16] . الإنجيل بإنجيلهم ، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فتقول [17] : صدق ، قد أفتاكم بما أنزل الله في ، علي وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " .
والجواب : أما قول " سلوني " فإنما كان يخاطب بهذا علي [18] . أهل الكوفة ليعلمهم العلم والدين ; فإن غالبهم كانوا جهالا لم يدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما فكان الذين أبو بكر [19] حول منبره هم أكابر [ ص: 508 ] أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذين تعلموا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلم والدين ، فكانت أعلم الأمة وأدينها أبي بكر ، وأما الذين كان رعية يخاطبهم فهم من جملة عوام الناس التابعين ، وكان كثير منهم من شرار التابعين ، ولهذا كان علي - رضي الله عنه - يذمهم ويدعو عليهم ، وكان التابعون علي بمكة والمدينة والشام والبصرة خيرا منهم .
وقد جمع الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان ، فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور وعلي ثم أبي بكر . عمر
ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن أقل مما وجد عن عمر ، وأما علي فلا يكاد يوجد نص يخالفه ، وكان هو الذي يفصل الأمور المشتبهة عليهم ، ولم يكن يعرف منهم اختلاف على عهده . وعامة ما تنازعوا فيه من الأحكام كان بعد أبو بكر . أبي بكر
والحديث المذكور عن كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى علي ; فإن [ علي ] عليا [20] . أعلم بالله وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل ، إذ كان المسلمون متفقين على أنه ( * وإذا تحاكم لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل الله في القرآن اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن يحكموا [ بينهم ] [21] . إلا بما أنزل الله في القرآن * ) [22] كما قال تعالى : ( ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ) [ ص: 509 ] [ سورة المائدة : 41 ] إلى قوله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ) [ سورة المائدة : 42 ] إلى قوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ) [ سورة المائدة : 48 ] إلى قوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) [ سورة المائدة : 49 ] [23] .
وإذا كان من المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع ، أن اليهود والنصارى لا يجوز أن يحكم بينهم إلا بما أنزل الله على محمد ، سواء وافق ما بأيديهم الحاكم بين [24] من التوراة والإنجيل أو لم يوافقه ، كان من نسب إلى أنه عليا [25] يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى ، أو يفتيهم بذلك ، ويمدحه بذلك : إما أن يكون من أجهل [26] الناس بالدين ، وبما يمدح به صاحبه ، وإما أن يكون زنديقا ملحدا أراد القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب ، دون المدح والثواب .