وأما يطعن عليه ويكفره " . ابن مسعود قوله : " وكان
فالجواب : أن هذا من الكذب البين على ، فإن علماء أهل النقل يعلمون أن ابن مسعود ما كان يكفر ابن مسعود عثمان ، بل لما ولي وذهب عثمان إلى ابن مسعود الكوفة قال : " ولينا أعلانا ذا فوق ولم نأل " .
وكان في السنين الأول عثمان [1] من ولايته لا ينقمون منه شيئا ، ولما كانت السنين الآخرة [2] نقموا منه أشياء ، بعضها هم معذورون فيه ، وكثير منها كان هو المعذور فيه . عثمان
من جملة ذلك أمر ؛ فإن ابن مسعود بقي في نفسه من أمر المصحف ، لما فوض كتابته إلى ابن مسعود زيد دونه ، وأمر الصحابة [3] أن يغسلوا [4] مصاحفهم . وجمهور الصحابة كانوا على مع ابن مسعود ، وكان عثمان قد انتدبه قبل ذلك زيد بن ثابت أبو بكر لجمع المصحف في [ ص: 253 ] الصحف وعمر [5] ، فندب من ندبه عثمان أبو بكر ، وكان وعمر قد حفظ العرضة الأخيرة ، فكان اختيار تلك أحب إلى الصحابة ، فإن زيد بن ثابت جبريل عارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في العام الذي قبض فيه مرتين .
وأيضا فكان أنكر على ابن مسعود لما شرب الخمر ، وقد قدم الوليد بن عقبة إلى ابن مسعود المدينة ، وعرض عليه النكاح . عثمان
وهؤلاء المبتدعة غرضهم التكفير أو التفسيق [6] للخلفاء الثلاثة بأشياء لا يفسق بها واحد من الولاة ، فكيف يفسق بها أولئك ؟ ومعلوم أن مجرد قول الخصم [ في خصمه ] [7] لا يوجب القدح في واحد منها ، وكذلك كلام أحد [8] المتشاجرين في الآخر .
ثم يقال : بتقدير أن يكون ابن مسعود طعن على - رضي الله عنهما - فليس جعل ذلك قدحا في عثمان بأولى من جعله قدحا في عثمان . وإذا كان كل واحد منهما مجتهدا فيما قاله أثابه الله على حسناته وغفر له خطأه ، وإن كان صدر من أحدهما ذنب ، فقد علمنا أن كلا منهما ولي لله ، وأنه من أهل الجنة ، وأنه لا يدخل النار ، فذنب كل واحد ابن مسعود [9] منهما لا يعذبه الله عليه في الآخرة .
[ ص: 254 ] أفضل من كل من تكلم فيه . هو أفضل من وعثمان ابن مسعود وعمار وأبي ذر [ ومن ] غيرهم [10] من وجوه كثيرة ، كما ثبت ذلك بالدلائل الكثيرة .
فليس جعل كلام المفضول قادحا في الفاضل بأولى من العكس ، بل إن أمكن الكلام بينهما بعلم وعدل ، وإلا تكلم بما يعلم من فضلهما ودينهما ، وكان ما شجر بينهما وتنازعا فيه أمره إلى الله .
ولهذا أوصوا [11] بالإمساك عما شجر بينهم ؛ لأنا لا نسأل عن ذلك [12] .
كما قال : " تلك دماء طهر الله منها يدي ، فلا أحب أن أخضب بها لساني " . وقال آخر : ( عمر بن عبد العزيز تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) [ سورة البقرة : 134 ] .
لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل ، فلا بد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته [13] بعلم وعدل .
وكذلك ما نقل من تكلم في عمار ، وقول عثمان فيه ، ونقل عنه أنه قال : " لقد كفر الحسن كفرة صلعاء " ، وأن عثمان الحسن بن علي أنكر [ ذلك ] [14] عليه ، وكذلك ، وقال له : " يا علي أتكفر برب آمن به عمار ؟ " . عثمان
وقد تبين أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي لله ، ويكون مخطئا في هذا الاعتقاد . ولا يقدح [ ص: 255 ] هذا في إيمان واحد منهما وولايته . كما ثبت في الصحيح أن قال أسيد بن حضير بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنك منافق تجادل عن المنافقين " لسعد بن عبادة [15] ، وكما - رضي الله عنه - عمر بن الخطاب : " دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق " ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنه قد شهد لحاطب بن أبي بلتعة بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " قال [16] .
أفضل من فعمر ، عمار أفضل من وعثمان بدرجات كثيرة . وحجة حاطب بن أبي بلتعة فيما قال عمر أظهر من حجة لحاطب ، [ ومع هذا ] فكلاهما عمار [17] من أهل الجنة ، فكيف لا يكون عثمان من أهل الجنة ، وإن قال أحدهما للآخر ما قال ؟ ! مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون وعمار قال ذلك . عمار