الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقوله [1] : " الخلاف [2] الخامس : في فدك والتوارث . رووا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نحن معاشر [3] الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة [4] " .

                  فيقال : هذا أيضا اختلاف في مسألة شرعية ، وقد زال الخلاف فيها والخلاف في هذه دون الخلاف في ميراث الإخوة مع الجد [5] ، وميراث الجدة مع ابنها ، وحجب الأم الأخوين [6] ، وجعل الجد مع الأم كالأب ، وأمثال ذلك من مسائل الفرائض التي تنازعوا فيها .

                  فالخلاف في هذا أعظم لوجوه : أحدها : أنهم تنازعوا في ذلك ، ثم [ ص: 346 ] لم يجتمعوا على قول واحد ، كما اجتمعوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث .

                  الثاني : أنهم لم يرو لهم من النصوص الصريحة في هذه المسائل ما روي لهم في ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  الثالث : الخلاف هنا في قصة واحدة لا يتعدد ، والنزاع في هذه المسائل من جنس متعدد ، وعامة النزاع في تلك هي [ نزاع ] في [7] قليل من المال : هل يختص به ناس معينون ؟ .

                  وأولئك القوم قد أعطاهم أبو بكر وعمر من مال الله ، بقدر ما خلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - أضعافا مضاعفة . ولو قدر أنها كانت ميراثا ، مع أن هذا باطل فإنما أخذ منهم قرية ليست كبيرة ، لم يأخذ منهم مدينة ولا قرية عظيمة .

                  وقد تنازع العلماء في مسائل الفرائض وغيرها ، ويكون النزاع في مواريث الهاشميين وغيرهم من أضعاف أموال فدك ، ولا ينسب المتنازعون فيها إلى ظلم ، إذا كانوا قائلين باجتهادهم .

                  فلو قدر أن الخلفاء اجتهدوا ، فأعطوا الميراث من لا يستحقه ، كان أضعاف هذا يقع من العلماء المجتهدين ، الذين هم دون الأئمة ، ولا يقدح ذلك في دينهم ، وإن قدر أنهم مخطئون في الباطن لأنهم تكلموا باجتهادهم ، فكيف بالخلفاء الراشدين المهديين - رضي الله عنهم - أجمعين .

                  [ ص: 347 ] وإنما يعظم القول في مثل هذه الأمور أهل الجهل والهوى ، الذين لهم غرض في فتح باب الشر على الصحابة بالكذب والبهتان .

                  وقد تولى علي بعد ذلك ، وصار فدك وغيرها تحت حكمه ، ولم يعطها لأولاد فاطمة ، ولا [ أخذ ] [8] من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ولد العباس شيئا من ميراثه .

                  فلو كان ذلك ظلما وقدر على إزالته ، لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه . أفتراه يقاتل معاوية ، مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم ، ولا يعطي هؤلاء قليلا من المال وأمره أهون بكثير ؟ .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية