الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ وأما قوله ] [1] : " الخلاف [2] السادس : في قتال مانعي الزكاة ، قاتلهم [3] أبو بكر واجتهد عمر في أيام خلافته ، فرد السبايا والأموال إليهم ، وأطلق المحبوسين " .

                  فهذا من الكذب الذي لا يخفى على من عرف أحوال المسلمين ; فإن مانعي الزكاة اتفق أبو بكر وعمر على قتالهم ، بعد أن راجعه عمر في ذلك .

                  كما في الصحيحين عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 348 ] أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله [4] " . فقال أبو بكر : ألم يقل إلا بحقها وحسابهم على الله [5] ؟ فإن الزكاة من حقها . والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت [6] أنه الحق [7] .

                  وفي الصحيحين تصديق فهم أبي بكر عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " [8] .

                  فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة ، وكذلك سائر الصحابة . وأقر أولئك بالزكاة بعد امتناعهم منها [9] ، ولم تسب لهم [ ص: 349 ] ذرية ، ولا حبس منهم أحد ، ولا كان بالمدينة حبس لا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا على عهد أبي بكر . فكيف يموت وهم في حبسه ؟ [10] .

                  وأول حبس اتخذ في الإسلام بمكة ، اشترى عمر من صفوان بن أمية داره ، وجعلها حبسا بمكة . ولكن من الناس من يقول : سبى أبو بكر نساءهم وذراريهم ، وعمر أعاد ذلك عليهم . وهذا إذا وقع ليس فيه بيان اختلافهما فإنه قد يكون عمر كان موافقا على جواز سبيهم لكن رد إليهم سبيهم كما رد النبي - صلى الله عليه وسلم - على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين فمن طابت نفسه بالرد وإلا عوضه [11] من عنده لما أتى أهلهم مسلمين ، فطلبوا رد ذلك إليهم .

                  وأهل الردة كان [12] قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يمكنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح بل يتركون يتبعون أذناب البقر حتى يري الله خليفة رسوله والمؤمنين حسن إسلامهم فلما تبين لعمر حسن إسلامهم رد ذلك إليهم ، لأنه جائز .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية