الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وقوله [1] : " الخلاف [2] الثامن : في إمرة [3] الشورى ، واتفقوا بعد الاختلاف على إمارة عثمان " .

                  والجواب : أن هذا من الكذب الذي اتفق أهل النقل على أنه كذب ; فإنه لم يختلف أحد في خلافة عثمان ، ولكن بقي عبد الرحمن يشاور الناس ثلاثة أيام ، وأخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان ، وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن . وإن كان في نفس أحد كراهة ، لم ينقل - أو قال - أحد شيئا ولم ينقل إلينا .

                  فمثل هذا قد يجري في مثل [4] هذه الأمور . والأمر الذي يتشاور فيه الناس لا بد فيه من كلام ، لكن لا يمكن الجزم بذلك بمجرد الحزر .

                  [ ص: 351 ] فلما علمنا نقلا صحيحا أنه ما كان اختلاف في ولاية عثمان ، ولا أن طائفة من الصحابة قالت : ولوا عليا أو غيره ، كما قال بعض الأنصار : منا أمير ومنكم أمير ، ولو وجد شيء من ذلك لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، كما نقل نزاع بعض الأنصار في خلافة أبي بكر - فالمدعي لذلك مفتر .

                  ولهذا قال الإمام أحمد : " لم يتفق الناس على بيعة كما اتفقوا على بيعة عثمان " .

                  وعثمان [5] ولاه المسلمون بعد تشاورهم ثلاثة أيام وهم مؤتلفون متفقون متحابون متوادون معتصمون بحبل الله جميعا ، وقد أظهرهم الله وأظهر بهم [6] ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق ، ونصرهم على الكفار وفتح بهم بلاد الشام والعراق وبعض خراسان .

                  فلم يعدلوا بعثمان غيره ، كما أخبر بذلك عبد الرحمن بن عوف ، ولهذا بايعه عبد الرحمن ، كما ثبت هذا في الأحاديث الصحيحة .

                  وأما ما ذكره بعض الناس من أنه اشترط على عثمان [7] سيرة الشيخين فلم يجب إما لعجزه عن مثل سيرتهما وإما لأن التقليد غير واجب أو غير جائز ، وأنه اشترط على علي [8] سيرة الشيخين فأجابه لإمكان متابعتهما أو جواز تقليدهما فهذا النقل [ باطل ] [9] ليس له إسناد ثابت ، [ ص: 352 ] فإنه مخالف للنقل الثابت في الصحيح ، الذي فيه أن عبد الرحمن بقي ثلاثة أيام لم يغتمض في لياليها بكثير نوم ، في كل ذلك يشاور المسلمين ، ولم يرهم يعدلون بعثمان غيره ، بل رأوه أحق وأشبه بالأمر من غيره ، وأن عبد الرحمن لم يشترط على علي إلا العدل فقال لكل منهما : " الله عليك إن وليتك لتعدلن ، وإن وليت عليك لتسمعن ولتطيعن " فيقول : " نعم " [10] .

                  فشرط على المتولي العدل وعلى المتولى عليه السمع والطاعة وهذا حكم الله ورسوله كما دل عليه الكتاب والسنة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية