الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله [1] : ووقعت اختلافات [2] كثيرة منها رده الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يسمى طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن كان يشفع إلى [3] أبي بكر وعمر أيام خلافتهما ، فما أجاباه [4] إلى ذلك ، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا " .

                  فيقال : مثل هذا إن جعله اختلافا جعل كلما حكم خليفة بحكم ونازعه فيه قوم اختلافا ، وقد كان ذكرك [5] لما اختلفوا فيه من المواريث [ ص: 353 ] والطلاق وغير ذلك أصح وأنفع ، فإن الخلاف في ذلك ثابت منقول عند [ أهل ] [6] العلم ، ينتفع الناس بذكره والمناظرة فيه . وهو خلاف في أمر كلي يصلح أن تقع فيه المناظرة .

                  وأما هذه الأمور فغايتها جزئية ، ولا تجعل مسائل خلاف يتناظر فيها الناس .

                  هذا مع أن فيما ذكره كذبا كثيرا [7] ، منه ما ذكره من أمر الحكم ، وأنه طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يسمى طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه استشفع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجاباه إلى ذلك ، وأن عمر نفاه من مقامه باليمن أربعين فرسخا . فمن الذي نقل ذلك ؟ وأين إسناده ؟ ومتى ذهب هذا إلى اليمن ؟ وما الموجب لنفيه إلى اليمن ، وقد أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يدعونه بالطائف ، وهي أقرب إلى مكة والمدينة من اليمن ؟ فإذا كان الرسول أقره قريبا منه ، فما الموجب لنفيه بعد ثبوته [8] إلى اليمن ؟ .

                  وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن نفي الحكم باطل ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه إلى الطائف ، بل هو ذهب بنفسه . وذكر بعض الناس أنه نفاه ، ولم يذكروا إسنادا صحيحا بكيفية القصة وسببها .

                  وعلى هذا التقدير فليس فيمن يجب نفيه في الشريعة من يستحق [ ص: 354 ] النفي الدائم ، بل ما من ذنب يستحق صاحبه النفي إلا ويمكن أن يستحق بعد ذلك الإعادة إلى وطنه ، فإن النفي إما مؤقت ، كنفي الزاني البكر عند جمهور العلماء سنة ، فهذا يعاد بعد السنة ، وإما نفي مطلق ، كنفي المخنث ، فهذا ينفى [9] إلى أن يتوب . وكذلك نفى عمر في تعزير الخمر .

                  وحينئذ فلا يمكن أن يقال : إن ذنب الحكم الذي نفي من أجله لم يتب منه في مدة بضع عشرة سنة ، وإذا تاب من ذنبه - مع طول هذه المدة - جاز أن يعاد .

                  وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة ، ثم تاب الله عليهم ، وكلمهم المسلمون .

                  وعمر - رضي الله عنه - نفى صبيغ بن عسل التميمي لما أظهر اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وضربه ، وأمر المسلمين بهجره سنة بعد أن أظهر التوبة ، فلما تاب أمر المسلمين بكلامه [10] .

                  [ ص: 355 ] وبهذا أخذ أحمد وغيره في أن الداعي إلى البدعة إذا تاب يؤجل سنة ، كما أجل عمر صبيغا ، وكذلك الفاسق إذا تاب ، واعتبر مع التوبة صلاح العمل كما يقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين .

                  ثم لو قدر أنه كان يستحق النفي الدائم ، فغاية ذلك أن يكون اجتهادا اجتهده عثمان في رده ، لصاحبه أجر مغفور له ، أو ذنبا له أسباب كثيرة توجب غفرانه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية