الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأما قوله [1] : " الخلاف [2] التاسع : في زمن أمير المؤمنين عليه السلام [3] بعد الاتفاق عليه وعقد [4] البيعة له ، فأولا خروج طلحة والزبير إلى مكة ، ثم حمل عائشة إلى البصرة ، ثم نصب [ ص: 361 ] القتال معه [5] ، ويعرف ذلك بحرب الجمل ، والخلاف بينه وبين [6] معاوية ، وحرب صفين ، ومغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري ، وكذا الخلاف بينه وبين الشراة [7] المارقين بالنهروان . وبالجملة كان علي مع الحق [8] والحق معه ، وظهر في زمانه الخوارج عليه [9] ، مثل الأشعث بن قيس ، ومسعر بن فدكي التميمي [10] ، وزيد بن حصين الطائي [11] وغيرهم ، وظهر في زمنه [12] الغلاة كعبد الله بن سبأ . ومن الفرقتين ابتدأت الضلالة والبدع [13] ، وصدق فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يهلك فيك اثنان : محب غال ومبغض قال .

                  [ ص: 362 ] فانظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل ، هل خرج موجب الفتنة [14] عن المشايخ أو تعداهم ؟ " .

                  والجواب : أن يقال هذا الكلام مما يبين تحامل الشهرستاني في هذا الكتاب مع الشيعة كما تقدم ، وإلا فقد ذكر أبا بكر وعمر وعثمان ، ولم يذكر من أحوالهم أن الحق معهم دون من خالفهم . ولما ذكر عليا قال [15] : " وبالجملة كان الحق مع علي وعلي مع الحق " [16] والناقل الذي لا غرض له : إما أن يحكي الأمور بالأمانة ، وإما أن يعطي كل ذي حق حقه . فأما دعوى المدعي أن الحق كان مع علي وعلي مع الحق ، وتخصيصه بهذا دون أبي بكر وعمر وعثمان ، فهذا لا يقوله أحد من المسلمين غير الشيعة .

                  ومما يبين فساد هذا الكلام قوله : " إن الاختلاف وقع في زمن علي بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له " . ومن المعلوم أن كثيرا من المسلمين لم يكونوا بايعوه ، حتى كثير منأهل المدينة ومكة الذين رأوه لم يكونوا بايعوه ، دع الذين كانوا بعيدين ، كأهل الشام ومصر والمغرب والعراق وخراسان .

                  وكيف يقال مثل هذا في بيعة علي ولا يقال في بيعة عثمان التي [17] اجتمع عليها المسلمون كلهم ولم يتنازع فيها اثنان ؟ .

                  [ ص: 363 ] وكذلك ما ذكره من التعريض بالطعن على طلحة والزبير وعائشة من غير أن يذكر لهم عذرا ولا رجوعا . وأهل العلم يعلمون أن طلحة والزبير لم يكونا قاصدين قتال علي ابتداء . وكذلك أهل الشام لم يكن قصدهم قتاله وكذلك علي لم يكن قصده قتال هؤلاء ولا هؤلاء .

                  ولكن حرب الجمل جرى [18] بغير اختياره ولا اختيارهم ، فإنهم كانوا قد اتفقوا على المصالحة [19] وإقامة الحدود على قتلة عثمان ، فتواطأت القتلة على إقامة الفتنة آخرا كما أقاموها أولا ، فحملوا على طلحة والزبير وأصحابهما فحملوا دفعا عنهم وأشعروا عليا أنهما حملا عليه [20] ، فحمل علي دفعا عن نفسه ، وكان كل منهما قصده دفع الصيال لا ابتداء القتال .

                  هكذا ذكر غير واحد من أهل العلم بالسير . فإن كان الأمر قد جرى على وجه لا ملام فيه فلا كلام [21] ، وإن كان قد وقع خطأ أو ذنب من أحدهما أو كليهما فقد عرف أن هذا لا يمنع ما دل عليه الكتاب والسنة من أنهم من خيار أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين ، وعباده الصالحين ، وأنهم من أهل الجنة [22] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية