الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " الخامس [2] : أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته . وعلي أفضل أهل [3] زمانه على ما يأتي ، فيكون هو الإمام لقبح تقديم [4] المفضول على الفاضل عقلا ونقلا . قال تعالى : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) [ سورة يونس : 35 ] .

                  [ ص: 475 ] والجواب من وجوه : أحدها : منع المقدمة الثانية الكبرى ، فإنا لا نسلم أن عليا أفضل أهل زمانه . بل خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، كما ثبت ذلك عن علي وغيره ، وسيأتي الجواب عما ذكروه ، وتقرير ما ذكرناه .

                  الثاني : أن الجمهور من أصحابنا وغيرهم ، وإن كانوا يقولون : يجب تولية الأفضل مع الإمكان ، لكن هذا الرافضي لم يذكر حجة على هذه المقدمة . وقد نازعه فيها كثير من العلماء . وأما الآية المذكورة فلا حجة فيها له ؛ لأن المذكور في [ الآية ] : من يهدي [5] إلى الحق ، ومن لا يهدي إلا أن يهدى . والمفضول لا يجب أن يهدى إلا أن يهديه الفاضل [6] ، بل قد يحصل له هدى كثير بدون تعلم من الفاضل ، وقد يكون الرجل يعلم ممن هو أفضل منه ، وإن كان ذلك الأفضل قد مات ، وهذا الحي [ الذي ] [7] هو أفضل منه لم يتعلم منه شيئا .

                  وأيضا فالذي [8] يهدي إلى الحق مطلقا هو الله ، والذي لا يهدي إلا أن يهدى صفة كل مخلوق لا يهدى إلا أن يهديه الله تعالى . وهذا هو المقصود بالآية وهي أن عبادة الله أولى من عبادة خلقه .

                  كما قال في سياقها : ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل [ ص: 476 ] الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى ) [ سورة يونس : 35 ] .

                  فافتتح الآيات بقوله : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت [ سورة يونس : 31 ] إلى قوله : ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ) [ سورة يونس : 35 ] .

                  وأيضا فكثير من الناس يقول : ولاية الأفضل واجبة ، إذا لم تكن [ في ] ولاية [9] المفضول مصلحة راجحة ، ولم يكن في ولاية الأفضل مفسدة .

                  وهذه البحوث يبحثها من يرى عليا أفضل من أبي بكر [ وعمر ] [10] ، كالزيدية وبعض المعتزلة ، أو من يتوقف في ذلك ، كطائفة من المعتزلة .

                  وأما أهل السنة فلا يحتاجون إلى منع هذه المقدمة ، بل الصديق عندهم أفضل الأمة . لكن المقصود أن نبين أن الرافضة ، وإن قالوا حقا ، فلا يقدرون أن يدلوا عليه بدليل صحيح ، لأنهم سدوا على أنفسهم كثيرا من طرق العلم ، فصاروا عاجزين عن بيان الحق ، حتى أنه [ لا ] [11] يمكنهم تقرير إيمان علي على الخوارج ، ولا تقرير إمامته على المروانية .

                  ومن قاتله فإن ما يستدل به على ذلك قد أطلق [12] جنسه على أنفسهم ؛ لأنهم لا يدرون ما يلزم أقوالهم الباطلة [13] من التناقض والفساد ، لقوة جهلهم ، واتباعهم الهوى [14] بغير علم [15] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية