الوجه السابع عشر : أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال : إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا [1] ، ولم يقل : ومن يتولى الله ورسوله ; فإنه لا يقال لمن ولي عليهم وال [2] : إنهم يقولون [3] : تولوه ، بل يقال : تولى عليهم .
[ ص: 30 ] الوجه الثامن عشر : أن الله - سبحانه وتعالى - لا يوصف بأنه متول على عباده وأنه أمير عليهم ، جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، فإنه خالقهم ورازقهم ، وربهم ومليكهم ، له الخلق والأمر ، ولا [4] يقال : إن الله أمير المؤمنين ، كما يسمى المتولي ، مثل علي وغيره : أمير المؤمنين بل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا لا يقال إنه متول على الناس ، وإنه أمير عليهم ، فإن قدره أجل من هذا . بل - رضي الله عنه - لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول الله وأول من سمي من الخلفاء " أمير المؤمنين " هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - . عمر
وقد روي أن عبد الله بن جحش كان أميرا في سرية ، فسمي أمير المؤمنين ، لكن إمارة خاصة في تلك السرية ، لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموما قبل ، وكان خليقا بهذا الاسم . عمر
وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين ; فيحبهم ويحبونه ، ويرضى عنهم ويرضون عنه ، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة . وهذه الولاية من رحمته وإحسانه ، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه .
قال تعالى : ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) [ سورة الإسراء : 111 ] . فالله تعالى ليس له ولي [5] من الذل ، بل هو القائل : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) [ سورة فاطر : 10 ] بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته ، إذا لم يكن له ولي ينصره .
[ ص: 31 ] الوجه التاسع عشر [6] : أنه ليس كل من تولى [7] عليه إمام عادل يكون من حزب الله ، ويكون غالبا ; فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار [8] ، كما كان في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت حكمه ذميون ومنافقون . وكذلك كان تحت ولاية كفار ومنافقون . والله تعالى يقول : ( علي ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [ سورة المائدة : 56 ] ; فلو أراد الإمارة لكان المعنى : إن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه الغالبين ، وليس كذلك . وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره ، مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم .