الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الوجه السابع عشر : أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال : إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا [1] ، ولم يقل : ومن يتولى الله ورسوله ; فإنه لا يقال لمن ولي عليهم وال [2] : إنهم يقولون [3] : تولوه ، بل يقال : تولى عليهم .

                  [ ص: 30 ] الوجه الثامن عشر : أن الله - سبحانه وتعالى - لا يوصف بأنه متول على عباده وأنه أمير عليهم ، جل جلاله ، وتقدست أسماؤه ، فإنه خالقهم ورازقهم ، وربهم ومليكهم ، له الخلق والأمر ، ولا [4] يقال : إن الله أمير المؤمنين ، كما يسمى المتولي ، مثل علي وغيره : أمير المؤمنين بل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا لا يقال إنه متول على الناس ، وإنه أمير عليهم ، فإن قدره أجل من هذا . بل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول الله وأول من سمي من الخلفاء " أمير المؤمنين " هو عمر - رضي الله عنه - .

                  وقد روي أن عبد الله بن جحش كان أميرا في سرية ، فسمي أمير المؤمنين ، لكن إمارة خاصة في تلك السرية ، لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموما قبل عمر ، وكان خليقا بهذا الاسم .

                  وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين ; فيحبهم ويحبونه ، ويرضى عنهم ويرضون عنه ، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة . وهذه الولاية من رحمته وإحسانه ، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه .

                  قال تعالى : ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) [ سورة الإسراء : 111 ] . فالله تعالى ليس له ولي [5] من الذل ، بل هو القائل : ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) [ سورة فاطر : 10 ] بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته ، إذا لم يكن له ولي ينصره .

                  [ ص: 31 ] الوجه التاسع عشر [6] : أنه ليس كل من تولى [7] عليه إمام عادل يكون من حزب الله ، ويكون غالبا ; فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار [8] ، كما كان في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت حكمه ذميون ومنافقون . وكذلك كان تحت ولاية علي كفار ومنافقون . والله تعالى يقول : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [ سورة المائدة : 56 ] ; فلو أراد الإمارة لكان المعنى : إن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه الغالبين ، وليس كذلك . وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره ، مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية