الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل قال الرافضي [1] : " البرهان الحادي عشر : قوله تعالى : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) [ ص: 133 ] [ سورة البقرة : 124 ] . روى الفقيه ابن المغازلي [2] الشافعي عن ابن مسعود [3] ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : انتهت الدعوة إلي وإلى علي ، لم يسجد أحدنا لصنم قط ، فاتخذني نبيا واتخذ عليا وصيا . وهذا نص في الباب " . والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة هذا كما تقدم . الثاني : أن هذا الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم [4] . وانظر : زاد المسير 1 139 - 141 ، الدر المنثور للسيوطي 1 118 . الثالث : أن قوله : " انتهت الدعوة إلينا " كلام لا يجوز أن ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه إن أريد : أنها لم تصب من قبلنا كان ممتنعا ; لأن الأنبياء من ذرية إبراهيم دخلوا في الدعوة . قال تعالى : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) [ سورة الأنبياء : 72 - 73 ] وقال تعالى : ( وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) [ سورة الإسراء : 2 ] . وقال عن بني إسرائيل : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ سورة السجدة : 24 ] [ ص: 134 ] وقال : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ) [ سورة القصص : 5 ، 6 ] . فهذه عدة نصوص من القرآن في جعل الله [ أئمة ] [5] من ذرية إبراهيم قبل أمتنا . وإن أريد : انتهت الدعوة إلينا : أنه لا إمام بعدنا ، لزم أن لا يكون الحسن والحسين ولا غيرهما أئمة ، وهو باطل بالإجماع [6] . ثم التعليل بكونه لم يسجد لصنم [ هو ] [7] هو علة موجودة في سائر المسلمين بعدهم . الوجه الرابع : أن كون الشخص لم يسجد لصنم فضيلة يشاركه فيها جميع من ولد على الإسلام ، مع أن السابقين الأولين أفضل منه ، فكيف يجعل المفضول مستحقا لهذه المرتبة دون الفاضل ؟ الخامس : أنه لو قيل أنه لم يسجد لصنم لأنه أسلم قبل البلوغ ، فلم يسجد بعد إسلامه ، فهكذا كل مسلم ، والصبي غير مكلف . وإن قيل : إنه لم يسجد قبل إسلامه فهذا النفي غير معلوم ، ولا قائله ممن يوثق به . ويقال : ليس كل من لم يكفر أو من لم يأت بكبيرة أفضل ممن تاب عنها مطلقا بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ممن لم يكفر ولم يفسق ، كما دل على ذلك الكتاب [ العزيز ] [8] فإن الله فضل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، وأولئك كلهم أسلموا بعد [ الكفر ] [9] . وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام . وفضل [ ص: 135 ] السابقين الأولين على التابعين لهم بإحسان ، وأولئك آمنوا بعد الكفر ، و [ أكثر ] التابعين [10] ولدوا على الإسلام . وقد ذكر الله في القرآن أن لوطا آمن لإبراهيم ، وبعثه الله نبيا . وقال شعيب : ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) [ سورة الأعراف : 89 ] . وقال تعالى : ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ) [ سورة إبراهيم : 13 ] . وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر ، ثم نبأهم بعد توبتهم ، وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء . وإذا كان في هؤلاء من صار نبيا ، فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم . وهذا مما تنازع فيه الرافضة وغيرهم ، ويقولون : من صدر منه ذنب لا يصير نبيا . والنزاع فيمن أسلم أعظم ، لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة . والذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصا مذموما لا يستحق النبوة ، ولو صار من أعظم الناس طاعة . وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه ، والكتاب والسنة و [ الإجماع ] يدل [11] على بطلان قولهم فيه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية