فصل
قال الرافضي [1] : " البرهان التاسع والعشرون : قوله تعالى [ ص: 239 ] : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) [ سورة الأحزاب : 56 ] من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال : سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا [2] : يا رسول الله ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن الله علمنا كيف نسلم ؟ قال : " قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " . وفي صحيح [3] مسلم : قلنا : يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد [4] ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " . ولا شك أن عليا أفضل آل محمد ، فيكون أولى بالإمامة " .
والجواب : أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه ، وأن عليا من آل محمد الداخلين في قوله : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " [5] ، ولكن ليس هذا من خصائصه ; فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا ، كالعباس وولده والحارث بن عبد المطلب وولده [6] ، وكبنات النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجتي عثمان : رقية وأم كلثوم ، وبنته فاطمة . وكذلك [ ص: 240 ] أزواجه ، كما في الصحيحين عنه قوله : " اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته " [7] بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة ، ويدخل فيه إخوة علي كجعفر وعقيل .
ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك ، ولا أنه يصلح بذلك للإمامة ، فضلا عن أن يكون مختصا بها ، ألا ترى أن عمارا والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن اتفق [ أهل ] السنة [8] والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على الآل ، ويدخل فيها [9] عقيل والعباس وبنوه ، وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق [ أهل ] [10] السنة والشيعة ، وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه ، ولا تصلح امرأة للإمامة ، وليست أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة ، فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره ، وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها .
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم " [11] . التابعون أفضل من القرن الثالث .
وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفصيل الأفراد على كل فرد ; فإن القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابة ، [ ص: 241 ] كالأشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن ، وكالمختار بن أبي عبيد [12] وأمثاله من الكذابين والمفترين ; والحجاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم والشر .
وليس علي أفضل أهل البيت ، بل أفضل أهل البيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه داخل في أهل البيت .
كما قال للحسن : " أما علمت أنا أهل بيت لا نأكل الصدقة " [13] وهذا الكلام يتناول المتكلم ومن معه .
وكما قالت الملائكة : ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) [ سورة هود : 73 ] وإبراهيم فيهم .
وكما قال : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ; كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " ، [ وإبراهيم ] [14] داخل فيهم .
وكما في قوله تعالى : ( إلا آل لوط نجيناهم ) [ سورة القمر : 34 ] ، فإن لوطا دخل فيهم .
وكذلك قوله : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) [ سورة آل عمران : 33 ] ، فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء [15] .
[ ص: 242 ] وكذلك قوله : ( سلام على إل ياسين ) [ سورة الصافات : 130 ] [ فقد ] دخل ياسين في السلام [16] .
وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم صل على آل أبي أوفى " دخل في ذلك أبو أوفى . [17]
وكذلك قوله : " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود " [18] .
وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون أفضل الناس بعده ; لأن بني هاشم أفضل من غيرهم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ، وأما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم بعده أفضل ممن سواهم .
كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين ، وكان فيهم واحد أفضل ، لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعي التابعين .
بل الجملة إذا فضلت على الجملة ، فكان أفضلهما [19] أفضل من الجملة الأخرى ، حصل مقصود التفضيل ، وما [20] بعد ذلك فموقوف على الدليل .
بل قد يقال : لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليل .
[ ص: 243 ] وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله اصطفى كنانة من بني [21] إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم [22] ، واصطفاني من بني هاشم " [23] . فإذا كان جملة قريش أفضل من غيرها [24] لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم ، بل في سائر العرب وغيرهم من المؤمنين من هو أفضل من أكثرقريش ، والسابقون الأولون من قريش نفر معدودون [25] ، وغالبهم إنما أسلموا عام الفتح [26] ، وهم الطلقاء .
وليس كل المهاجرين من قريش ، بل المهاجرون من قريش وغيرهم [27] - كابن مسعود الهذلي [28] ، وعمران بن حصين الخزاعي ، والمقداد بن الأسود الكندي - وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من أكثر بني هاشم ، فالسابقون من بني هاشم : حمزة وعلي وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس . وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فمنهم من بني هاشم ثلاثة ، وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم .
وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد [29] وأهل بيته تقتضي [ ص: 244 ] أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت . وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون : بنو هاشم أفضل قريش ، وقريش أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم .
وهذا هو المنقول عن أئمة السنة ، كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم .
وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك ، كما ذكره القاضي أبو بكر ، والقاضي أبو يعلى في " المعتمد " وغيرهما .
والأول أصح ; فإنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح [30] أنه قال : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى هاشما من قريش ، واصطفاني من بني هاشم " [31] . وروي : " إن الله اصطفى بني إسماعيل " وهذا مبسوط في غير هذا الموضع .


