الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] . : " البرهان الأربعون : قوله تعالى : ( فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير [ سورة التحريم : 4 ] أجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي [2] . . روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية : ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين ) [ قال : صالح المؤمنين ] [3] . علي بن أبي طالب ، واختصاصه [ ص: 293 ] بذلك يدل على أفضليته [4] . ، فيكون هو الإمام . والآيات في هذا [5] . المعنى كثيرة ، اقتصرنا على ما ذكرنا [6] . للاختصار " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : قوله : " أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي " كذب مبين ، فإنهم لم يجمعوا على هذا ، ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ، ولا علماء الحديث ونحوهم . ونحن نطالبهم بهذا النقل ، ومن نقل هذا الإجماع ؟ .

                  الثاني : أن يقال : كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا . قال ابن مسعود : وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم : هو أبو بكر وعمر . وذكر هذا جماعة من المفسرين ، كابن جرير الطبري وغيره .

                  وقيل : هو أبو بكر ، رواه مكحول عن أبي أمامة .

                  وقيل : عمر ، قاله سعيد بن جبير ومجاهد .

                  وقيل : خيار المؤمنين ، قاله الربيع بن أنس .

                  وقيل : هم الأنبياء ، قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان .

                  وقيل : هو علي ، حكاه الماوردي ، ولم يسم قائله ، فلعله بعض الشيعة [7] . .

                  [ ص: 294 ] الثالث : أن يقال : لم يثبت [ هذا ] [8] . القول بتخصيص علي به عمن قوله حجة . والحديث المذكور كذب موضوع ، وهو لم يذكر دلالة على صحته [9] . . ومجرد رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة .

                  الرابع : أن يقال : قوله : ( وصالح المؤمنين ) اسم يعم كل صالح من المؤمنين ، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين " [10] .

                  الخامس : أن يقال : إن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى [11] . رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر أن الله مولاه ، والمولى يمنع أن يراد به الموالى عليه [12] . ، فلم يبق المراد به إلا الموالي .

                  ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا ، فإنه [ لو ] لم يواله [13] . لم يكن من صالح المؤمنين ، بل قد يواليه المؤمن وإن لم يكن صالحا ، لكن لا تكون موالاة كاملة . وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة ، فإنه إذا كان صالحا أحب ما أحبه الله ورسوله ، وأبغض ما أبغضه الله ورسوله ، وأمر بما أمر به الله ورسوله ، ونهى عما نهى الله عنه ورسوله . وهذا يتضمن الموالاة .

                  [ ص: 295 ] وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمر : " إن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل " فما نام بعدها [14] . .

                  وقال عن أسامة بن زيد : " إنه من صالحيكم ، فاستوصوا به خيرا " [15] .

                  وأما قوله : " والآيات في هذا المعنى كثيرة " [16] . فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور ، والذي ذكره خلاصة ما عندهم ، وباب الكذب لا ينسد . ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب [17] . ، ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، وللكذابين الويل مما يصفون [ ص: 296 ] وما ذكر وقال : " أريد به علي " إذا ذكر أنه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان ، لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم ، بل يرجح على قوله ، لا سيما في مواضع كثيرة .

                  وإذا [18] . قال : فهذا لم يقله أحد ، بخلاف قولنا .

                  كان الجواب من وجهين : أحدهما : أن هذا ممنوع ، بل من الناس من يخص أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما .

                  الثاني : أن قول القائل : خص هذا بواحد من الصحابة ، إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر ، تكون حجته من جنس حجته ، فإنه يدل على فساد قوله . وإن كان لم يقله ، فإن الإنسان إذا كذب كذبة [ لم ] [19] يمكن مقابلتها بمثلها [20] . ، ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ، ووجب : إما تصديق الاثنين ، وإما كذب الاثنين .

                  كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز ، قال : دخلت على بعض الشيعة - وقد قيل : إنه عباد بن يعقوب - فقال لي : من حفر البحر ؟ فقلت : الله تعالى . فقال : تقول من حفره ؟ قلت : من حفره ؟ قال : علي بن أبي طالب . قال : من جعل فيه الماء ؟ قلت : الله . قال : تقول من هو الذي جعل فيه الماء ؟ قلت : من هو ؟ قال : الحسن . قال : فلما أردت أن أقوم ، قال : " من حفر البحر ؟ قلت : معاوية ، قال : ومن [ الذي ] [21] . جعل فيه الماء ؟ قلت : يزيد . فغضب من ذلك وقام .

                  [ ص: 297 ] وكان غرض القاسم أن يقول : هذا القول مثل قولك ، وأنت تكره ذلك وتدفعه ، وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك [22] . .

                  وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم . كقولهم في قوله : ( فقاتلوا أئمة الكفر ) [ سورة التوبة : 12 ] طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية . فيقابل هذا بقول الخوارج : إنهم علي والحسن والحسين . وكل هذا باطل ، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجتهم ، والدليل على فسادها يعم النوعين ، فعلم بطلان الجميع .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية