الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  قالوا : فلم يأمر الله بقتال البغاة ابتداء ، بل إذا وقع قتال بين طائفتين من المؤمنين فقد أمر الله بالإصلاح بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت . ولم يقع الأمر كذلك .

                  ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها - : " ترك الناس العمل بهذه الآية " ، رواه مالك بإسناده المعروف عنها [1] .

                  ومذهب أكثر العلماء أن قتال البغاة لا يجوز [ إلا ] أن يبتدءوا [2] الإمام بالقتال ، كما فعلت الخوارج مع علي ، فإن قتاله الخوارج متفق عليه بين العلماء ، ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف قتال صفين ، فإن أولئك لم يبتدءوا بقتال ، بل امتنعوا عن مبايعته .

                  [ ص: 233 ] ولهذا كان أئمة السنة ، كمالك وأحمد وغيرهما ، يقولون : إن قتاله للخوارج مأمور به ، وأما قتال الجمل وصفين فهو قتال فتنة .

                  فلو قال قوم : نحن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ، ولا ندفع زكاتنا إلى الإمام ، ونقوم بواجبات الإسلام [3] ، لم يجز للإمام قتلهم عند أكثر العلماء ، كأبي حنيفة وأحمد .

                  وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إنما قاتل مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا عن أدائها مطلقا ، وإلا فلو قالوا : نحن نؤديها بأيدينا ولا ندفعها إلى أبي بكر ، لم يجز قتالهم عند الأكثرين ، كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما .

                  ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة ، وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه ، وهذا مذهب مالك ، وأحمد ، وأبي حنيفة ، والأوزاعي ، بل والثوري ، ومن لا يحصى عدده ، مع أن أبا حنيفة ونحوه من فقهاء الكوفيين - فيما نقله القدوري وغيره - عندهم لا يجوز قتال البغاة ، إلا إذا ابتدءوا الإمام بالقتال ، وأما إذا أدوا الواجب من الزكاة وامتنعوا عن دفعها إليه ، لم يجز قتالهم .

                  وكذلك مذهب أحمد وغيره ، وهكذا جمهور الفقهاء ، على أن ذوي القربى هم قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه ليس للإمام ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم [4] .

                  والمقصود أن كليهما - رضي الله عنه - وإن كان ما فعله فيه هو متأول [ ص: 234 ] مجتهد يوافقه عليه طائفة من العلماء المجتهدين ، الذين يقولون بموجب العلم والدليل ، ليس لهما عمل يتهمون فيه [5] ، لكن اجتهاد عثمان كان أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة ; فإن الدماء خطرها أعظم من الأموال .

                  ولهذا كانت خلافة عثمان هادية مهدية ساكنة ، والأمة فيها متفقة ، وكانت ست سنين لا ينكر الناس عليه شيئا ، ثم أنكروا أشياء في الست الباقية ، وهي دون ما أنكروه على علي من حين تولى ، والذين خرجوا على عثمان طائفة من أوباش الناس ، وأما علي فكثير من السابقين الأولين لم يتبعوه ولم يبايعوه ، وكثير من الصحابة والتابعين قاتلوه ، وعثمان في خلافته فتحت الأمصار وقوتلت [6] الكفار ، وعلي في خلافته لم يقتل كافر ولم تفتح مدينة .

                  فإن كان ما صدر عن الرأي ، فرأي عثمان أكمل ، وإن كان عن القصد ، فقصده أتم .

                  قالوا : وإن كان علي تزوج بفاطمة - رضي الله عنهما - فعثمان قد زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنتين من بناته ، وقال : " لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان [7] " ، وسمي ذو النورين [8] بذلك ; إذ لم يعرف أحد جمع بين بنتي نبي غيره .

                  [ ص: 235 ] وقد صاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - من بني أمية من هو دون عثمان : أبو العاص بن الربيع ، فزوجه زينب أكبر بناته ، وشكر مصاهرته محتجا به على علي ، لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل ، فإنه قال : " إن بني المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا فتاتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم . والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدا ، إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها [9] ، ويؤذيني ما آذاها " ، ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه وقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي [10] " .

                  وهكذا مصاهرة عثمان له ، لم يزل فيها حميدا ، لم يقع منه [11] ما يعتب عليه فيها ، حتى قال : " لو كان [12] عندنا ثالثة لزوجناها عثمان " .

                  وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من مصاهرة علي له [13] . وفاطمة كانت أصغر بناته ، وعاشت بعده ، وأصيبت به ، فصار لها من الفضل ما ليس لغيرها . ومعلوم أن كبيرة البنات في العادة تزوج قبل الصغيرة ، فأبو العاص تزوج أولا زينب بمكة ، ثم عثمان تزوج برقية وأم كلثوم ، واحدة بعد واحدة .

                  [ ص: 236 ] قالوا : وشيعة عثمان المختصون به كانوا أفضل من شيعة علي المختصين به ، وأكثر خيرا ، وأقل شرا . فإن شيعة عثمان أكثر ما نقم عليهم من البدع انحرافهم عن علي ، وسبهم له على المنابر [14] ، لما جرى بينهم وبينه من القتال ما جرى ، لكن مع ذلك لم يكفروه ولا كفروا من يحبه .

                  وأما شيعة علي ففيهم من يكفر الصحابة والأمة ويلعن [15] أكابر الصحابة ما هو أعظم [16] من ذاك بأضعاف مضاعفة .

                  وشيعة عثمان تقاتل الكفار ، والرافضة لا تقاتل الكفار ، وشيعة عثمان لم يكن فيها زنديق ولا مرتد ، وقد دخل في شيعة علي من الزنادقة والمرتدين ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى .

                  وشيعة عثمان لم توال الكفار ، والرافضة يوالون اليهود والنصارى والمشركين على قتال المسلمين ، كما عرف منهم وقائع [17] .

                  وشيعة عثمان ليس فيهم من يدعي فيه الإلهية ولا النبوة ، وكثير من الداخلين في شيعة علي من يدعي نبوته أو إلهيته .

                  وشيعة عثمان ليس فيهم من قال : إن عثمان إمام معصوم ، ولا منصوص عليه ، والرافضة تزعم أن عليا منصوص عليه معصوم .

                  [ ص: 237 ] وشيعة عثمان متفقة على تقديم أبي بكر وتفضيلهما على عثمان ، وشيعة علي المتأخرون أكثرهم يذمونهما ويسبونهما ، وأما الرافضة فمتفقة على بغضهما وذمهما ، وكثير منهم يكفرونهما ، وأما الزيدية فكثير منهم أيضا يذمهما ويسبهما ، بل ويلعنهما ، وخيار الزيدية الذين يفضلونه [18] عليهما ، ويذمون عثمان أو يقعون به .

                  وقد كان أيضا في شيعة عثمان من يؤخر الصلاة عن وقتها : يؤخر الظهر أو العصر ; ولهذا لما تولى بنو العباس كانوا أحسن مراعاة للوقت من بني أمية ، لكن شيعة علي المختصون به الذين لا يقرون بإمامة أحد من الأئمة الثلاثة وغيرهم ، أعظم تعطيلا للصلاة ، بل ولغيرها من الشرائع ، وأنهم لا يصلون جمعة ولا جماعة ، فيعطلون المساجد ، ولهم في تقديم العصر والعشاء ، وتأخير المغرب ما هم أشد انحرافا فيه من أولئك [19] ، وهم مع هذا يعظمون المشاهد مع تعطيل المساجد ; مضاهاة للمشركين وأهل الكتاب ، الذين كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، فأين هذا من هذا ؟ !

                  فالشر والفساد الذي في شيعة علي أضعاف أضعاف الشر والفساد الذي في شيعة عثمان ، والخير والصلاح الذي في شيعة عثمان ، ( * أضعاف أضعاف الخير الذي في شيعة علي . وبنو أمية كانوا شيعة [ ص: 238 ] عثمان * ) [20] ، فكان الإسلام وشرائعه في زمنهم أظهر وأوسع مما كان بعدهم .

                  وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش " .

                  ولفظ البخاري : " اثني عشر أميرا " . وفي لفظ : " لا يزال أمر الناس ماضيا ولهم اثنا عشر رجلا " . وفي لفظ : " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش " [21] .

                  وهكذا كان ، فكان الخلفاء : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة : معاوية ، وابنه يزيد ، ثم عبد الملك وأولاده الأربعة ، وبينهم عمر بن عبد العزيز . وبعد ذلك حصل في دولة الإسلام من النقص ما هو باق إلى الآن ; فإن بني أمية تولوا على جميع أرض الإسلام ، وكانت الدولة في زمنهم عزيزة [22] ، والخليفة يدعى باسمه : عبد الملك ، وسليمان ، لا يعرفون عضد الدولة ، ولا عز الدين ، وبهاء الدين [23] ، وفلان الدين ، وكان أحدهم هو الذي يصلي بالناس الصلوات [24] الخمس ، وفي المسجد يعقد الرايات ويؤمر الأمراء ، وإنما يسكن داره ، لا يسكنون الحصون ، ولا يحتجبون عن [25] الرعية .

                  [ ص: 239 ] وكان من أسباب ذلك أنهم كانوا في صدر الإسلام في القرون المفضلة : قرن الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم . وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان : أحدهما : تكلمهم في علي ، والثاني : تأخير الصلاة عن وقتها .

                  ولهذا رئي عمر بن مرة الجملي بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي بمحافظتي على الصلوات في مواقيتها ، وحبي [26] علي بن أبي طالب . فهذا حافظ على هاتين السنتين [27] حين ظهر خلافهما ; فغفر الله له بذلك . وهكذا شأن من تمسك ( * بالسنة إذا ظهرت بدعة ، مثل من تمسك * ) [28] بحب الخلفاء الثلاثة ; حيث يظهر خلاف ذلك وما أشبهه .

                  ثم كان من نعم الله سبحانه ورحمته بالإسلام أن الدولة لما انتقلت إلى بني هاشم صارت في بني العباس ، فإن الدولة الهاشمية أول ما ظهرت [29] كانت الدعوة إلى الرضا من آل محمد ، وكانت شيعة الدولة [30] محبين لبني هاشم ، وكان الذي تولى الخلافة من بني هاشم يعرف قدر الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، فلم يظهر في دولتهم إلا تعظيم الخلفاء الراشدين ، وذكرهم على المنابر ، والثناء عليهم [31] ، وتعظيم الصحابة ، وإلا فلو تولى - والعياذ بالله - رافضي يسب الخلفاء والسابقين الأولين لقلب الإسلام .

                  [ ص: 240 ] ولكن دخل في غمار الدولة من كانوا لا يرضون باطنه ، ومن كان لا يمكنهم دفعه ، كما لم يمكن عليا قمع الأمراء الذين هم أكابر عسكره ، كالأشعث بن قيس ، والأشتر النخعي ، وهاشم المرقال ، وأمثالهم .

                  ودخل من أبناء المجوس ، ومن في قلبه غل على الإسلام من أهل البدع والزنادقة ، وتتبعهم المهدي بقتلهم [32] ، حتى اندفع بذلك شر كبير [33] ، وكان من خيار خلفاء بني العباس .

                  وكذلك الرشيد [34] ، كان فيه من تعظيم العلم والجهاد والدين ما كانت به دولته من خيار دول بني العباس ، وكأنما كانت تمام سعادتهم ، فلم ينتظم بعدها الأمر لهم ، مع أن أحدا من العباسيين لم يستولوا على الأندلس ، ولا على أكثر المغرب ، وإنما غلب بعضهم على إفريقية مدة ، ثم أخذت منهم .

                  بخلاف أولئك ، فإنهم استولوا على جميع المملكة الإسلامية ، وقهروا جميع أعداء الدين ، وكانت جيوشهم جيشا بالأندلس يفتحه ، وجيشا ببلاد الترك يقاتل القان الكبير [35] ، وجيشا ببلاد العبيد [36] ، وجيشا بأرض الروم ، وكان الإسلام في زيادة وقوة ، عزيزا في جميع الأرض .

                  وهذا تصديق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : " لا [ ص: 241 ] يزال هذا الدين عزيزا ما تولى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " [37] .

                  وهؤلاء الاثنا عشر خليفة هم المذكورون في التوراة ; حيث قال في بشارته بإسماعيل : " وسيلد اثني عشر عظيما " .

                  ومن ظن أن هؤلاء الاثني عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ; فإن هؤلاء ليس فيهم من كان له سيف إلا علي بن أبي طالب [38] ، ومع هذا فلم يتمكن في خلافته من غزو الكفار ، ولا فتح مدينة ، ولا قتل كافرا ، بل كان المسلمون قد اشتغل بعضهم بقتال بعض ، حتى طمع فيهم الكفار بالشرق والشام من المشركين وأهل الكتاب ، حتى يقال إنهم أخذوا بعض بلاد المسلمين [39] ، وإن بعض الكفار كان يحمل إليه كلام حتى يكف عن المسلمين ، فأي عز للإسلام في هذا ، والسيف يعمل في المسلمين ، وعدوهم قد طمع فيهم ونال منهم ؟ !

                  وأما سائر الأئمة غير علي ، فلم يكن لأحد منهم سيف ، لا سيما المنتظر ، بل هو عند من يقول بإمامته : إما خائف عاجز ، وإما هارب [40] مختف من أكثر من أربعمائة سنة ، وهو لم يهد ضالا ولا أمر بمعروف ، ولا نهى عن منكر ، ولا نصر مظلوما ، ولا أفتى أحدا في مسألة ، ولا حكم [ ص: 242 ] في قضية ، ولا يعرف له وجود ، فأي فائدة حصلت من هذا لو كان موجودا ، فضلا عن أن يكون الإسلام به عزيزا ؟ !

                  ( * ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الإسلام لا يزال عزيزا * ) [41] ، ولا يزال أمر هذه الأمة مستقيما [42] ، حتى يتولى اثنا عشر خليفة ، [ فلو كان المراد بهم هؤلاء الاثنا عشر ] [43] وآخرهم المنتظر ، وهو موجود الآن إلى أن يظهر عندهم ، كان [44] الإسلام لم يزل عزيزا في الدولتين الأموية والعباسية ، وكان عزيزا وقد خرج الكفار بالمشرق والمغرب ، وفعلوا بالمسلمين ما يطول وصفه ، وكان الإسلام لا يزال عزيزا إلى اليوم ، وهذا خلاف ما دل عليه الحديث .

                  وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه ، وهم أذل فرق الأمة ، فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة ، ولا أكتم لقوله منهم ، ولا أكثر استعمالا للتقية [45] منهم ، وهم - على زعمهم - شيعة الاثني عشر ، وهم في غاية الذل ، فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثني عشر على زعمهم ؟ !

                  وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع ; لأنه رأى في التوراة ذكر الاثني عشر ; ( * فظن أن هؤلاء هم أولئك ، وليس الأمر كذلك ، بل الاثنا عشر هم * ) [46] الذين ولوا على الأمة من قريش ولاية عامة ، فكان الإسلام في زمنهم عزيزا ، وهذا معروف .

                  [ ص: 243 ] وقد تأول ابن هبيرة [47] الحديث على أن المراد أن قوانين المملكة باثني عشر ، مثل الوزير والقاضي ونحو ذلك . وهذا ليس بشيء ، بل الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تكلف .

                  وآخرون قالوا فيه مقالة ضعيفة ، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره . ومنهم من قال : لا أفهم معناه كأبي بكر بن العربي .

                  وأما مروان وابن الزبير فلم يكن لواحد [48] منهما ولاية عامة ، بل كان زمنه زمن فتنة ، لم يحصل فيها من عز الإسلام وجهاد أعدائه ما يتناوله الحديث .

                  ولهذا جعل طائفة من الناس خلافة علي من هذا الباب . وقالوا : لم تثبت بنص ولا إجماع . وقد أنكر الإمام أحمد وغيره على هؤلاء ، وقالوا : " من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله " . واستدل على ثبوت خلافته بحديث سفينة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تكون ملكا " . فقيل للراوي : إن بني أمية يقولون : إن عليا لم يكن خليفة . فقال : " كذبت أستاه بني الزرقاء " [49] ، والكلام على هذه المسألة لبسطه موضع آخر .

                  [ ص: 244 ] والمقصود هنا أن الحديث الذي فيه ذكر الاثني عشر خليفة ، سواء قدر أن عليا دخل فيه ، أو قدر أنه لم يدخل ، فالمراد بهم من تقدم من الخلفاء من قريش ، وعلي أحق الناس بالخلافة في زمنه بلا ريب عند أحد من العلماء .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية