الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 445 ] قال هؤلاء للمعتزلة والشيعة [1] : ولما كان هذا الدليل عمدتكم ، استطال عليكم الفلاسفة الدهرية ، كابن سينا وأمثاله ، وهذا الدليل مناف في الحقيقة لحدوث العالم لا مستلزم له ، فإنه إذا كان هذا الحادث لا بد له من سبب حادث ، وكان هذا الدليل مستلزما لحدوث الحادث بلا سبب ، لزم أن لا يكون الله أحدث شيئا . فإذا جوزنا ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح ، انسد طريق إثبات الصانع الذي سلكتموه .

                  وقالوا أيضا للمعتزلة والشيعة [2] : أنتم مع هذا عللتم [3] أفعال الله تعالى بعلل حادثة . فيقال لكم : هل توجبون للحوادث سببا حادثا أم لا ؟ فإن قلتم : نعم ، لزم تسلسل الحوادث ، وبطل ما ذكرتموه .

                  وإن لم توجبوا ذلك ، قيل لكم : وكذلك ليس لها غاية حادثة بعدها ، فإن المعقول أن الفاعل المحدث لا بد لفعله من سبب ولا بد له من غاية . فإذا قلتم : لا سبب لإحداثه . قيل لكم : ولا غاية مطلوبة له بالفعل .

                  فإن قلتم : لا يعقل فاعل لا يريد حكمة إلا وهو عابث [4] . قيل لكم : ولا نعقل فاعلا يحدث شيئا بغير سبب حادث أصلا ، بل هذا أشد امتناعا في العقل من ذاك ، فلماذا أثبتم الغاية ونفيتم السبب الحادث ؟ .

                  [ ص: 446 ] وقيل لكم [5] أيضا : الذي يعقل من الفاعل أن يفعل لغاية تعود إليه ، وأما [6] فاعل يفعل لغاية تعود إلى غيره ، فهذا غير معقول .

                  وإذا كان هذا قول الشيعة المتبعين للمعتزلة في حكمة الله تعالى ، فقد يقال : [ قول ] [7] من يقول : إنه يفعل لمحض المشيئة بلا علة [8] ، خير من هذا القول ، فإن هذا سلم [9] من التسلسل ، وسلم من كونه يفعل لحكمة منفصلة عنه . والمعتزلة تسلم له [10] امتناع التسلسل ، فعلم أن قول هؤلاء خير من قول هذا المنكر عليهم .

                  وأما من قال بالتعليل من أهل [ السنة ] والحديث ، [ كما تقدم ] ، فذاك [11] سلم من هذا وهذا ، وقد كتبت في مسألة التعليل مصنفا [12] مستقلا بنفسه لما سئلت عنها [13] وليس هذا موضع بسطه .

                  والمقصود هنا التنبيه على أن أقوال أهل السنة خير من أقوال الشيعة ، وأنه إن كان قول بعض أهل السنة ضعيفا ، فقول الشيعة أضعف منه

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية