الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1014 - سلمان الفارسي ، أبو عبد الله ، يقال : إنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعرف بسلمان الخير ، كان أصله من فارس من رامهرمز ، من قرية يقال لها جي . ويقال : بل كان أصله من أصبهان لخبر قد ذكرته في التمهيد ، وهناك ذكرت حديث إسلامه بتمامه ، وكان إذا قيل له : ابن من أنت ؟ قال : أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم .

                                                              وروى أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان الفارسي ، قال : كنت من أبناء أساورة فارس - في حديث طويل ذكره .

                                                              وكان سلمان يطلب دين الله تعالى ، ويتبع من يرجو ذلك عنده ، فدان بالنصرانية وغيرها ، وقرأ الكتب ، وصبر في ذلك على مشقات نالته ، وذلك كله مذكور في خبر إسلامه .

                                                              وذكر سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا ، من رب إلى رب ، حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن الله عليه بالإسلام .  

                                                              وقد روي من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه على العتق .

                                                              وروى زيد بن الحباب . قال : حدثني حسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن سلمان الفارسي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة ، فقال : هذه صدقة عليك وعلى أصحابك . فقال : يا سلمان ، إنا - أهل البيت - لا تحل لنا الصدقة . فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها ، فقال : هذه هدية . فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم ، من [ ص: 635 ] اليهود بكذا وكذا درهما ، وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل بعمل فيها سلمان حتى تدرك ، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غرسها ؟ فقالوا : عمر . فقلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها ، فأطعمت من عامها . وذكر معمر ، عن رجل من أصحابه ، قال : دخل قوم على سلمان ، وهو أمير على المدائن وهو يعمل هذا الخوص ، فقيل له : لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق ؟ فقال : إني أحب أن آكل من عمل يدي .  

                                                              وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه .

                                                              أول مشاهده الخندق ، وهو الذي أشار بحفره ، فقال أبو سفيان وأصحابه ، إذ رأوه : هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها . وقد قيل : إنه شهد بدرا ، وأحدا ، إلا أنه كان عبدا يومئذ ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق ، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا .

                                                              ذكر هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده ، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها .

                                                              وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك قال : كان سلمان يعمل الخوص بيده ، فيعيش منه ، ولا يقبل من أحد شيئا . قال : ولم يكن له بيت ، وإنما كان يستظل بالجذور والشجر ، وإن رجلا قال له : ألا أبني لك بيتا تسكن فيه ؟ فقال [ ص: 636 ] .

                                                              ما لي به حاجة ، فما زال به الرجل حتى قال له : إني أعرف البيت الذي يوافقك .

                                                              قال : فصفه لي . قال : أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه ، وإن أنت مددت فيه رجليك أصاب أصابعهما الجدار . قال : نعم ، فبنى له [بيتا كذلك ] .

                                                              وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال : لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان . وفي رواية أخرى : لناله رجال من فارس . وروينا عن عائشة [أم المؤمنين ] رضي الله عنها ، قالت : كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                              وروي من حديث ابن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أمرني ربي بحب أربعة ، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم : علي ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان . وروى قتادة ، عن خيثمة ، عن أبي هريرة ، قال : [كان ] سلمان صاحب الكتابين . قال قتادة : يعني الإنجيل والفرقان .

                                                              أخبرنا خلف بن قاسم ، حدثنا ابن المفسر ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن سعيد ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي أنه سئل عن سلمان . فقال : علم [ ص: 637 ] العلم الأول والآخر ، بحر لا ينزف ، وهو منا أهل البيت . هذه رواية أبي البختري ، عن علي .

                                                              وفي رواية زادان [أبي عمر ] عن علي قال : سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم ، ثم ذكر مثل خبر أبي البختري . وقال كعب الأحبار : سلمان حشي علما وحكمة .

                                                              وذكر مسلم ، حدثنا محمد بن حاتم ، أخبرنا بهز ، أخبرنا بهز ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو - أن أبا سفيان أتى على سلمان ، وصهيب وبلال في نفر ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم . وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك جل وعلا ، فأتاهم أبو بكر فقال : يا إخوتاه ، أغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يا أبا بكر ، يغفر الله لك . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرداء ، فكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء .

                                                              وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال : ما شأنك ؟ قالت : إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا . قال : فلما جاء أبو الدرداء رحب سلمان وقرب له طعاما . قال سلمان : اطعم . قال : إني صائم . قال : أقسمت عليك إلا ما طعمت ، إني لست بآكل حتى تطعم . قال : وبات سلمان عند أبي الدرداء ، فلما كان الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان . قال : يا أبا الدرداء ، إن لربك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، وإن لجسدك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه . قال : فلما كان وجه الصبح قال [ ص: 638 ] قم الآن . فقاما فصليا ، ثم خرجا إلى الصلاة . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان .

                                                              ذكره علي بن المديني ، عن جعفر بن عون عن أبي العميس ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، وله أخبار حسان وفضائل جمة رضي الله عنه .

                                                              توفي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين . وقيل :

                                                              بل توفي سنة ست وثلاثين في أولها . وقيل : توفي في [آخر ] خلافة عمر .

                                                              والأول أكثر ، والله أعلم .

                                                              قال الشعبي : توفي سلمان في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن .

                                                              روى عنه من الصحابة ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، وأبو الطفيل .

                                                              يعد في الكوفيين . روينا عن سلمان أنه تلا هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فقال له زيد بن صوحان : يا أبا عبد الله ، وذكر الخبر .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية