1014 - سلمان الفارسي ، أبو عبد الله ، يقال : إنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعرف بسلمان الخير ، كان أصله من فارس من رامهرمز ، من قرية يقال لها جي . ويقال : بل كان أصله من أصبهان لخبر قد ذكرته في التمهيد ، وهناك ذكرت حديث إسلامه بتمامه ، وكان إذا قيل له : ابن من أنت ؟ قال : أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم .
وروى أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان الفارسي ، قال : كنت من أبناء أساورة فارس - في حديث طويل ذكره .
وكان سلمان يطلب دين الله تعالى ، ويتبع من يرجو ذلك عنده ، فدان بالنصرانية وغيرها ، وقرأ الكتب ، وصبر في ذلك على مشقات نالته ، وذلك كله مذكور في خبر إسلامه .
وذكر سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا ، من رب إلى رب ، حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن الله عليه بالإسلام .
وقد روي من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه على العتق .
وروى زيد بن الحباب . قال : حدثني حسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن سلمان الفارسي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة ، فقال : هذه صدقة عليك وعلى أصحابك . فقال : يا سلمان ، إنا - أهل البيت - لا تحل لنا الصدقة . فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها ، فقال : هذه هدية . فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم ، من [ ص: 635 ] اليهود بكذا وكذا درهما ، وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل بعمل فيها سلمان حتى تدرك ، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غرسها ؟ فقالوا : عمر . فقلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها ، فأطعمت من عامها . وذكر معمر ، عن رجل من أصحابه ، قال : دخل قوم على سلمان ، وهو أمير على المدائن وهو يعمل هذا الخوص ، فقيل له : لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق ؟ فقال : إني أحب أن آكل من عمل يدي .
وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه .
أول مشاهده الخندق ، وهو الذي أشار بحفره ، فقال أبو سفيان وأصحابه ، إذ رأوه : هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها . وقد قيل : إنه شهد بدرا ، وأحدا ، إلا أنه كان عبدا يومئذ ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق ، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا .
ذكر هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده ، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها .
وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك قال : كان سلمان يعمل الخوص بيده ، فيعيش منه ، ولا يقبل من أحد شيئا . قال : ولم يكن له بيت ، وإنما كان يستظل بالجذور والشجر ، وإن رجلا قال له : ألا أبني لك بيتا تسكن فيه ؟ فقال [ ص: 636 ] .
ما لي به حاجة ، فما زال به الرجل حتى قال له : إني أعرف البيت الذي يوافقك .
قال : فصفه لي . قال : أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه ، وإن أنت مددت فيه رجليك أصاب أصابعهما الجدار . قال : نعم ، فبنى له [بيتا كذلك ] .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال : لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان . وفي رواية أخرى : لناله رجال من فارس . وروينا عن عائشة [أم المؤمنين ] رضي الله عنها ، قالت : كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروي من حديث ابن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أمرني ربي بحب أربعة ، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم : علي ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان . وروى قتادة ، عن خيثمة ، عن أبي هريرة ، قال : [كان ] سلمان صاحب الكتابين . قال قتادة : يعني الإنجيل والفرقان .
أخبرنا خلف بن قاسم ، حدثنا ابن المفسر ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن سعيد ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي أنه سئل عن سلمان . فقال : علم [ ص: 637 ] العلم الأول والآخر ، بحر لا ينزف ، وهو منا أهل البيت . هذه رواية أبي البختري ، عن علي .
وفي رواية زادان [أبي عمر ] عن علي قال : سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم ، ثم ذكر مثل خبر أبي البختري . وقال كعب الأحبار : سلمان حشي علما وحكمة .
وذكر مسلم ، حدثنا محمد بن حاتم ، أخبرنا بهز ، أخبرنا بهز ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو - أن أبا سفيان أتى على سلمان ، وصهيب وبلال في نفر ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم . وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك جل وعلا ، فأتاهم أبو بكر فقال : يا إخوتاه ، أغضبتكم ؟ قالوا : لا ، يا أبا بكر ، يغفر الله لك . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرداء ، فكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء .
وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال : ما شأنك ؟ قالت : إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا . قال : فلما جاء أبو الدرداء رحب سلمان وقرب له طعاما . قال سلمان : اطعم . قال : إني صائم . قال : أقسمت عليك إلا ما طعمت ، إني لست بآكل حتى تطعم . قال : وبات سلمان عند أبي الدرداء ، فلما كان الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان . قال : يا أبا الدرداء ، إن لربك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، وإن لجسدك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه . قال : فلما كان وجه الصبح قال [ ص: 638 ] قم الآن . فقاما فصليا ، ثم خرجا إلى الصلاة . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان .
ذكره علي بن المديني ، عن جعفر بن عون عن أبي العميس ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، وله أخبار حسان وفضائل جمة رضي الله عنه .
توفي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين . وقيل :
بل توفي سنة ست وثلاثين في أولها . وقيل : توفي في [آخر ] خلافة عمر .
والأول أكثر ، والله أعلم .
قال الشعبي : توفي سلمان في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن .
روى عنه من الصحابة ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، وأبو الطفيل .
يعد في الكوفيين . روينا عن سلمان أنه تلا هذه الآية الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم فقال له زيد بن صوحان : يا أبا عبد الله ، وذكر الخبر .


