الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2614 - النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، من بني كعب بن الحارث ابن الخزرج، وأمه عمرة بنت رواحة، أخت عبد الله بن رواحة. ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنين. وقيل بست سنين، والأول أصح إن شاء الله تعالى، لأن الأكثر يقولون: إنه ولد هو وعبد الله بن الزبير عام اثنين من الهجرة في ربيع الآخر على رأس أربعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.

                                                              وذكر الطبري قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد [ ص: 1497 ] ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن الأسود، قال: ذكر النعمان بن بشير عند عبد الله بن الزبير فقال: هو أسن مني بستة أشهر.

                                                              قال أبو الأسود: ولد عبد الله بن الزبير على رأس عشرين شهرا من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولد النعمان على رأس أربعة عشر في ربيع الآخر، وهو أول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة،  يكنى أبا عبد الله، لا يصحح بعض أهل الحديث سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عندي صحيح، لأن الشعبي يقول عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثين أو ثلاثة. وقد حدثني عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحسن بن علي الأشناني ببغداد، قدم علينا ونحن بها من الشام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا بقية بن الوليد، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلابي، وحمزة بن حبيب، عن النعمان بن بشير.

                                                              وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عثمان بن كثير بن دينار، عن محمد ابن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي، عن أبيه، عن النعمان بن بشير - واللفظ لحديث عثمان بن كثير - قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنب من الطائف ، فقال لي: خذ هذا العنقود فأبلغه أمك قال:

                                                              فأكلته قبل أن أبلغه إياها، فلما كان بعد ليال قال: ما فعل العنقود؟ هل بلغت؟ قلت: لا، فسماني غدرا [ ص: 1498 ] .

                                                              وفي حديث بقية: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني وقال لي: يا غدر.

                                                              وفي حديث بقية أيضا: إنه أعطاني قطفين من عنب، فقال لي:

                                                              كل هذا، وبلغ هذا إلى أمك، فأكلتهما، ثم سأل أمه،
                                                              وذكر الخبر بمعنى ما ذكرنا. وكان النعمان أميرا على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر، ثم أميرا على حمص لمعاوية، ثم ليزيد، فلما مات يزيد صار زبيريا، فخالفه أهل حمص، فأخرجوه منها، واتبعوه وقتلوه، وذلك بعد وقعة مرج راهط، وكان كريما جوادا شاعرا، ويروى أن أعشى همدان تعرض ليزيد بن معاوية فحرمه، فمر بالنعمان بن بشير الأنصاري - وهو على حمص، ، فقال له: ما عندي ما أعطيك.

                                                              ولكن معي عشرون ألفا من أهل اليمن! فإن شئت سألتهم لك، فقال:

                                                              قد شئت. فصعد النعمان المنبر، واجتمع إليه أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أعشى همدان، فقال: إن أخاكم أعشى همدان قد أصابته حاجة، ونزلت به جائحة، وقد عمد إليكم، فما ترون؟ قالوا: دينار دينار. فقال: لا، ولكن بين اثنين دينار، فقالوا: قد رضينا. فقال: إن شئتم عجلتها له من بيت المال من عطائكم وقاصصتكم إذا أخرجت عطاياكم. قالوا: نعم فأعطاه النعمان عشرة آلاف دينار من أعطياتهم، فقبضها الأعشى وأنشأ يقول:


                                                              لم أر للحاجات عند انكماشها كنعمان الندى - ابن بشير     إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن
                                                              كمدل إلى الأقوام حبل غرور

                                                              [ ص: 1499 ]

                                                              فلولا أخو الأنصار كنت كنازل     ثوى ما ثوى لم ينقلب بنقير
                                                              متى أكفر النعمان لم أك شاكرا     ولا خير فيمن لم يكن بشكور

                                                              والنعمان بن بشير هو القائل - فيما زعم أهل الأخبار ورواة الأشعار:


                                                              وإني لأعطي المال من ليس سائلا     وأدرك للمولى المعاند بالظلم
                                                              وإني متى ما يلقني صارما له     فما بيننا عند الشدائد من صرم
                                                              فلا تعدد المولى شريكك في الغنى     ولكنما المولى شريكك في العدم
                                                              إذا مت ذو القربى إليك برحمه     وغشك واستغنى، فليس بذي رحم
                                                              ومن ذاك للمولى الذي يستخفه     أذاك ومن يرمي العدو الذي ترمي

                                                              وذكر المدائني عن يعقوب بن داود الثقفي، ومسلمة بن محارب، وغيرهما، قالوا: لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط، وذلك للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين في أيام مروان - أراد النعمان بن بشير أن يهرب من حمص، وكان عاملا عليها، فخاف ودعا لابن الزبير فطلبه أهل حمص فقتلوه، واحتزوا رأسه، فقالت امرأته الكلبية: ألقوا رأسه في حجري، فأنا أحق به، وكانت قبله عند معاوية بن أبي سفيان، فقال لامرأته ميسون أم يزيد: اذهبي فانظري إليها، فأتتها، فنظرت، ثم رجعت فقالت: ما رأيت مثلها. ثم قالت: لقد رأيتها ورأيت خالا تحت سرتها، ليوضعن رأس زوجها في حجرها، فتزوجها حبيب بن سلمة ثم طلقها، فتزوجها النعمان بن بشير ، فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها.

                                                              قال المسعودي: كان النعمان بن بشير واليا على حمص قد خطب لابن الزبير ممالئا للضحاك بن قيس، فلما بلغه وقعة راهط وهزيمة الزبيرية، وقتل الضحاك - [ ص: 1500 ] خرج عن حمص هاربا، فسار ليلة متحيرا لا يدري أين يأخذ، فاتبعه خالد بن عدي الكلابي فيمن خف معه من أهل حمص، فلحقه وقتله، وبعث برأسه إلى مروان. وقال الحسن بن عثمان : وفي سنة أربع وستين قتلت خيل مروان النعمان بن بشير الأنصاري، وهو هارب من حمص.

                                                              وقال علي بن المديني: قتل النعمان بن بشير بحمص غيلة، قتله أهل حمص وهو وال لابن الزبير. وقال أبو بكر بن عيسى: قتل النعمان بقرية من قرى حمص يقال لها بيران. روى عن النعمان بن بشير من التابعين حميد بن عبد الرحمن ابن عوف، والشعبي، وأبو إسحاق الهمداني، وسماك بن حرب، وابنه محمد بن النعمان.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية