600 - وقال أبو عبيد في حديث [رضي الله عنه ] أن صبيا قتل بصنعاء غيلة ، فقتل به عمر سبعة ، وقال : "لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم " [ ص: 198 ] .
قال : حدثنيه يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر .
قوله : غيلة : هو أن يغتال الإنسان ، فيخدع بالشيء حتى يصير إلى موضع يستخفى له فإذا صار إليه قتله .
وهذا الذي يقول فيه "أهل الحجاز " إنه ليس للولي أن يعفو عنه ، يرون عليه القتل على كل حال في الغيلة خاصة .
وأما "أهل العراق " فالغيلة عندهم وغيرها سواء ، إن شاء الولي عفا ، وإن شاء قتل : فهذا تفسير الغيلة .
وأما الفتك في القتل ، فأن يأتي الرجل رجلا وهو غار مطمئن ؛ لا يعلم بمكان الذي يريد قتله ، حتى يفتك به ، فيقتله ، وكذلك لو كمن له في موضع ليلا أو نهارا ، فإذا وجد غرة قتله .
ومن ذلك حديث " الزبير " حين أتاه رجل ، فقال : "ألا أقتل لك "عليا " ؟ فقال : وكيف تقتله ؟
قال : أفتك به [ ص: 199 ] .
فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه [وسلم ] - : "قيد الإيمان الفتك ، لا يفتك مؤمن " .
قال : حدثناه ابن علية ، عن أيوب ، عن الحسن .
ومنه حديث عمرو بن الحمق ؛ قال : حدثناه ابن مهدي ، عن سفيان ، عن السدي ، عن رفاعة القتباني ، قال : كنت مع المختار ، فأردت قتله ، فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق عن النبي - صلى الله عليه [وسلم ] أنه قال : "من آمن رجلا ثم قتله ، فأنا بريء منه ، وإن كان المقتول في النار " .
قال : وحدثنيه يزيد ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رفاعة ، عن عمرو بن الحمق ، عن النبي - صلى الله عليه [وسلم ] [ ص: 200 ] .
فهذا معناه أن يقتله من غير أن يعطيه الأمان .
فأما إذا أعطاه الأمان ، ثم قتله ، فذلك الغدر ، وهو شر هذه الوجوه كلها ، وهو الذي يروى فيه الحديث عن النبي [ - صلى الله عليه وسلم - ] : لكل غادر لواء يوم القيامة ، يقال : هذه غدرة فلان " .
[حدثنا أبو عبيد ] قال : حدثناه إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه [وسلم ] .
ومن وجوه القتل أيضا الصبر ، وهو أن يؤخذ الرجل أسيرا ، ثم يقدم ، فيقتل ، فهذا لم يقتل غيلة ولا فتكا ولا غدرا ؛ لأنه أخذ بغير أمان ، فهذه أربعة أوجه من أسماء القتل ، هي الأصول التي فيها الأحكام خاصة ، وأما قتل الخطأ ، فهو عند أهل العراق على وجهين :
أحدهما : أن يرمي الرجل ، وهو يتعمد صيدا أو هدفا أو غير ذلك ، فيصيب إنسانا بأي شيء كان ، من سلاح أو غيره ، فهذا عندهم [هو ] الخطأ المحض .
والدية فيه على العاقلة أربعا : خمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة ، وخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون [ ص: 201 ] .
وبعضهم يجعلها أخماسا : عشرين حقة ، وعشرين جذعة ، وعشرين بنت لبون ، وعشرين بنت مخاض ، وعشرين ابن مخاض . وبعض الفقهاء يجعل مكان عشرين ابن مخاض عشرين ابن لبون .
والوجه الآخر من الخطأ عندهم أن يتعمد الرجل إنسانا بشيء لا يقتل مثله ، فيموت منه ، كالسوط والعصا والحجر الذي ليس بضخم ، فاسم هذا عندهم شبه العمد ، وإنما سموه بذلك ؛ لأنه لم يتعمده بما يقتل مثله .
وقالوا : عمد ؛ لأنه تعمده وإن لم يرد قتله ، فاجتمع فيه المعنيان ، فسمي شبه العمد لهذا .
ففي هذه الدية مغلظة : ثلث حقاق ، وثلث ما بين ثنية إلى بازل عامها ، كلها خلفة ، والخلفة الحامل .
وهذا في حديث يروى مرفوعا ، وعن عمر شيء يشبهه ، فهذا قول " أهل العراق " ويحتجون فيه بالأثر .
قال [ أبو عبيد ] : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا خالد ، عن القاسم بن ربيعة ، عن عقبة بن أوس ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى [ ص: 202 ] الله عليه وسلم - ، عن النبي أنه خطب "يوم فتح مكة " فقال : "ألا وفي قتيل خطأ العمد ثلاث وثلاثون حقة ، وثلاث وثلاثون جذعة ، وأربع وثلاثون ما بين ثنية إلى بازل عامها ، كلها خلفة " .


