الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              الحديث الثاني: من حديث زيد بن حارثة .

                              باب: نصب .

                              حدثنا محمود بن غيلان، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة، عن زيد بن حارثة: خرج رسول الله صلى الله عليه مردفي إلى نصب من الأنصاب، فذبحنا له شاة وجعلناها في سفرتنا، فلقينا زيد بن عمرو فقدمنا له السفرة، فقال: "إني لا آكل مما ذبح لغير الله"   .

                              حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا موسى بن عقبة، حدثنا سالم، أنه سمع ابن عمر، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه: أنه لقي زيد بن عمرو بأسفل بلدح، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه سفرة لحم فأبى أن يأكل، وقال: "إنا لا نأكل على ما تذبحون على أنصابكم، ولا نأكل إلا ما ذكر اسم الله عليه"   .

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو قطن، عن المسعودي، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه، عن جده، قال .

                              [ ص: 791 ] : مر زيد بن عمرو برسول الله صلى الله عليه وبزيد بن حارثة وهما يأكلان من سفرة لهما فدعواه، فقال: "إني لا آكل مما ذبح على النصب" قال إبراهيم: قوله: "ذبحنا شاة لنصب من الأنصاب"،  لذلك وجهان: إما أن يكون زيد فعله من غير أمر رسول الله صلى الله عليه ولا رضاه، إلا أنه كان معه فنسب ذلك إليه، لأن زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما كان الله أعطاه نبيه صلى الله عليه، ومنعه مما لا يحل من أمر الجاهلية، وكيف يجوز ذلك وهو قد منع زيدا في حديثه هذا بعينه أن يمس صنما وما مسه النبي صلى الله عليه قبل نبوته ولا بعد، فهو ينهى زيدا عن مسه، ويرضى أن يذبح له هذا محال والوجه الثاني: أن يكون ذبح لزاده في خروجه فاتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، فكان الذبح منهم للصنم، والذبح منه لله تعالى، إلا أن الموضع جمع بين الذبحين، فأما ظاهر ما جاء به الحديث فمعاذ الله وأما حديث ابن عمر، وسعيد بن زيد فليس فيهما بيان أنه ذبح أو أمر بذلك، ولعل زيدا ظن أن ذلك اللحم مما كانت قريش تذبحه لأنصابها، فامتنع لذلك ولم يكن الأمر كما ظن، فإن كان ذلك فعل فبغير أمره ولا رضاه .

                              [ ص: 792 ] وبعد: فإن الفقهاء من الصحابة والتابعين مختلفون فيما ذبح لصنم أو كنيسة، فرخص فيه قوم إذا كانت الذكاة وقعت موقعها، ولم يلتفتوا إلى ما أضمره الذابح، فرخص أبو الدرداء وأبو العرباض، وعبادة، وجماعة من التابعين وكرهه ابن عمر، وعائشة، وجماعة من التابعين، وكراهة رسول الله صلى الله عليه أصوب وأحسن من غير طعن على من رخص ولا مخطئه .

                              حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود: قدم النبي صلى الله عليه مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون نصبا، فجعل يطعنها بعود معه، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل "   .

                              حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن الزبير، قال النبي صلى الله عليه: "فاطمة بضعة مني، ينصبني ما أنصبها"   .

                              [ ص: 793 ] حدثنا بندار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا ابن جريج، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد: "كان رباح بن المعترف يحسن غناء النصب" .

                              حدثنا اليمامي، عن يعقوب، عن أبيه، عن ابن إسحاق، حدثني ليث، عن عطاء، عن ابن عمر: " إن من أقذر الذنوب عند الله رجل ظلم امرأة صداقها  قلت لليث: أنصب ابن عمر الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه قال: وما علمه لولا أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه .

                              حدثنا مصعب، حدثنا مالك: "فيمن أفاد ستة من الإبل لا صدقة عليه حتى يحول الحول، إلا أن يكون قبلها نصاب ماشية، فنصاب الماشية تجب فيه الصدقة" [ ص: 794 ] قوله: "خرج إلى نصب"،  ودخل وحول البيت ثلاثمائة نصب، هي حجارة كانت تنصب: تعبد .

                              حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا ابن مهدي، عن قرة، عن الحسن، في قوله: إلى نصب يوفضون : "يبتدرون نصبهم أيهم يستلمه" أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة، قال: النصب واحد، والجمع أنصاب أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: النصائب: حجارة يشرف بها الحوض قال أبو زيد: النصائب: حجارة تجعل حول الحوض تنصب واحدتها نصيبة، ويلزق بين كل حجرين بطين ويجعل وراء ذلك تراب والتراب: النشيبة وقال الشاعر:


                              ظلت أقاطيع أنعام مؤبلة لدى صليب على الزوراء منصوب



                              وقال النابغة:


                              فلا لعمر الذي قد زرته حججا     وما هريق على الأنصاب من جسد



                              [ ص: 795 ] يعني الدم قوله: "ينصبني ما أنصبها"  النصب: الإعياء والمعنى معروف قال:


                              كأن راكبها يهوي بمنخرق     من الجنوب إذا ما ركبها نصبوا



                              وقال طفيل:


                              تأوبني هم مع الليل منصب     وجاء من الأخبار ما لا أكذب



                              قرأت على أبي نصر:


                              كليني لهم يا أميمة ناصب     وليل أقاسيه بطيء الكواكب



                              قوله: "ناصب" أراد منصبا، كما قال طفيل، وقال الله تعالى: خلق من ماء دافق ، أي مدفوق، و عيشة راضية أي مرضية، وسر كاتم أي مكتوم، وليل نائم أي منوم فيه [ ص: 796 ] قوله: "غناء النصب"، أظنه الذي يحكى فيه من النشيد، وأقيم لحنه، ونصب وزنه، وأحكم قوله: "أنصب ذاك"، يقول: أقام ذاك، وأسنده إلى غيره أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي، يقال: تيس أنصب: منتصب القرن، وعنز نصباء: منصوبة القرن أخبرني عمرو، عن أبيه: النصباء من المعز: التي قرناها منتصبان وقال أبو عبيدة: أذن نصباء: التي تنتصب وتدنو من الأخرى قوله: "نصاب ماشية" هو الذي يرجع إليه، يقول: إن ضم ما أفاد إلى أصل ونصاب تجب فيه الزكاة زكاه، وإلا فلا زكاة عليه أخبرنا عمرو، عن أبيه، يقال: إنه لنصاب مال إذا كان حسن القيام عليه، مهتما به ويقال: أنصب مديتي: أجعل لها نصابا قال أبو زيد: أنصبت السكين، وأجزأتها، والجزأة: النصاب وأغلفتها: جعلت لها غلافا [ ص: 797 ] وقال الكسائي: أقربتها: جعلت لها قرابا وناصبت فلانا الشر والعداوة ومنصب الرجل: أصله في قومه والمنتصب: الغبار المرتفع .

                              [ ص: 798 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية