[ ص: 114 ] فصل
وجميع - عليهم السلام - إنما يكون الحجة فيه علمية برهانية ، إذا أقاموا الدليل على نبوة من احتجوا بكلامه ، بأن بينوا إمكان النبوة ثم بينوا وقوعها في الشخص المعين بالطرق التي يستدل بها على نبوة النبي . ما احتجوا به من التوراة والإنجيل وغيرهما من كلام الأنبياء
وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك ، بل احتجوا بذلك بناء على أنها مقدمة مسلمة يسلمها المسلمون لهم . وهذا لا ينفعهم لوجوه :
أحدها : أن فيمن ذكروه من لم يثبت عند المسلمين أنه نبي كميخا وعاموص .
[ ص: 115 ]
الثاني : أن من ثبت عند المسلمين نبوته كموسى وعيسى وداود وسليمان لم يثبت عندهم أنهم قالوا جميع ما ذكروه من الكلام وأن ترجمته بالعربية هو ما ذكروه ، وأن مرادهم به ما فسروه .
الثالث : محمد إلا بإخبار محمد - صلى الله عليه وسلم - بنبوتهم فلا يمكنهم التصديق بنبوة أحد من هؤلاء إلا بعد التصديق بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - . أن جمهور المسلمين لا يعلمون نبوة أحد من الأنبياء قبل
فإذا طلب هؤلاء من المسلمين أن يسلموا نبوة هؤلاء ، دون نبوة محمد لم يمكن المسلمين أن يسلموا ذلك لهم ، ولا يشرع ذلك للمسلمين لا عقلا ولا نقلا ، وحينئذ إذا لم يقيموا الأدلة على نبوة أولئك ؛ لم يكونوا قد ذكروا لا حجة برهانية ولا حجة جدلية .
الرابع : أن المسلمين لم يصدقوا بنبوة موسى وعيسى ، إلا مع إخبارهما بنبوة محمد ، فإن سلموا أنهما أخبرا بنبوة محمد ثبتت نبوته ونبوتهما ، وإن جحدوا ذلك جحد المسلمون نبوة من يدعون أنه موسى .
[ ص: 116 ] وعيسى اللذين لم يخبرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
الخامس : أن المسلمين وكل عاقل ، يمنع - بعد النظر التام - أن يقر بنبوة موسى وعيسى دون محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إذ كانت نبوته أكمل ، وطرق معرفتها أتم وأكثر وما من دليل يستدل به على نبوة غيره إلا وهو على نبوته أدل ، فإن جحد نبوته يستلزم جحد نبوة غيره بطريق الأولى . ولكن من قال ذلك هو متناقض كما يتناقض سائر أهل الباطل ؛ ولهذا قال - تعالى - في الكفار :
إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك .