الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 114 ] فصل

وجميع ما احتجوا به من التوراة والإنجيل وغيرهما من كلام الأنبياء - عليهم السلام - إنما يكون الحجة فيه علمية برهانية ، إذا أقاموا الدليل على نبوة من احتجوا بكلامه ، بأن بينوا إمكان النبوة ثم بينوا وقوعها في الشخص المعين بالطرق التي يستدل بها على نبوة النبي .

وهم لم يفعلوا شيئا من ذلك ، بل احتجوا بذلك بناء على أنها مقدمة مسلمة يسلمها المسلمون لهم . وهذا لا ينفعهم لوجوه :

أحدها : أن فيمن ذكروه من لم يثبت عند المسلمين أنه نبي كميخا وعاموص .

[ ص: 115 ]

الثاني : أن من ثبت عند المسلمين نبوته كموسى وعيسى وداود وسليمان لم يثبت عندهم أنهم قالوا جميع ما ذكروه من الكلام وأن ترجمته بالعربية هو ما ذكروه ، وأن مرادهم به ما فسروه .

الثالث : أن جمهور المسلمين لا يعلمون نبوة أحد من الأنبياء قبل محمد إلا بإخبار محمد - صلى الله عليه وسلم - بنبوتهم فلا يمكنهم التصديق بنبوة أحد من هؤلاء إلا بعد التصديق بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

فإذا طلب هؤلاء من المسلمين أن يسلموا نبوة هؤلاء ، دون نبوة محمد لم يمكن المسلمين أن يسلموا ذلك لهم ، ولا يشرع ذلك للمسلمين لا عقلا ولا نقلا ، وحينئذ إذا لم يقيموا الأدلة على نبوة أولئك ؛ لم يكونوا قد ذكروا لا حجة برهانية ولا حجة جدلية .

الرابع : أن المسلمين لم يصدقوا بنبوة موسى وعيسى ، إلا مع إخبارهما بنبوة محمد ، فإن سلموا أنهما أخبرا بنبوة محمد ثبتت نبوته ونبوتهما ، وإن جحدوا ذلك جحد المسلمون نبوة من يدعون أنه موسى .

[ ص: 116 ] وعيسى اللذين لم يخبرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .

الخامس : أن المسلمين وكل عاقل ، يمنع - بعد النظر التام - أن يقر بنبوة موسى وعيسى دون محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إذ كانت نبوته أكمل ، وطرق معرفتها أتم وأكثر وما من دليل يستدل به على نبوة غيره إلا وهو على نبوته أدل ، فإن جحد نبوته يستلزم جحد نبوة غيره بطريق الأولى . ولكن من قال ذلك هو متناقض كما يتناقض سائر أهل الباطل ؛ ولهذا قال - تعالى - في الكفار :

إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك .

التالي السابق


الخدمات العلمية