[ ص: 226 ] فصل
وقال : داود في قوله : " سبحوا الله تسبيحا جديدا ، وليفرح بالخالق من اصطفى الله له أمته وأعطاه النصر ، وسدد الصالحين منهم بالكرامة ، يسبحونه على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة ، بأيديهم سيوف ذات شفرتين ؛ لينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه " . في الزبور
وهذه الصفات إنما تنطبق على صفات محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، فهم الذين يكبرون الله بأصوات مرتفعة في أذانهم [ ص: 227 ] للصلوات الخمس ، وعلى الأماكن العالية ، كما قال : ( جابر بن عبد الله ) رواه كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا علونا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ، فوضعت الصلاة على ذلك وغيره ، وفي الصحيحين عن أبو داود قال : ابن عمر . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فدفد ، كبر ثلاثا ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده
[ ص: 228 ] وفي صحيح عن البخاري قال : ( أنس بالمدينة ، الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بعمرة وحج ) وذكر الحديث . صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه
وعن : أبي هريرة رواه أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أسافر فأوصني . قال : عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ، فلما أن ولى الرجل قال : اللهم اطو له البعد ، وهون عليه السفر الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
[ ص: 229 ] وروى منه : ابن ماجه وروى أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف وغيره بإسناد صحيح عن أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عمر . كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه إذا علوا شرفا كبروا ، وإذا هبطوا سبحوا
وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في أعيادهم : عيد الفطر وعيد النحر ، في الصلاة والخطبة ، وفي ذهابهم إلى الصلاة وفي [ ص: 230 ] أيام ( منى ) الحجاج ، وسائر أهل الأمصار يكبرون عقيب الصلوات فإمام الصلاة يسن له الجهر بالتكبير .
وذكر عن البخاري : أنه كان يكبر عمر بن الخطاب بمنى ، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون ، حتى ترتج منى تكبيرا .
وكان ابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر ، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، ويكبرون على قرابينهم وهديهم وضحاياهم ، كما كان نبيهم يقول عند الذبح : بسم الله والله [ ص: 231 ] أكبر ويكبرون إذا رموا الجمار ، ويكبرون على وابن عباس الصفا والمروة ، ويكبرون في الطواف عند محاذاة الركن ، وكل هذا يجهرون فيه بالتكبير غير ما يسرونه .
قال - تعالى - لما ذكر صوم رمضان الذي يقيمون له عيد الفطر ، قال - تعالى - :
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .
ولما ذكر الهدي الذي يقرب في عيد النحر ، وهو يوم الحج الأكبر قال :
[ ص: 232 ]
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين .
والنصارى يسمون عيد المسلمين عيد " الله أكبر " لظهور التكبير فيه ، وليس هذا لأحد من الأمم أهل الكتاب ، ولا غيرهم - غير المسلمين - وإنما كان موسى يجمع بني إسرائيل بالبوق ، والنصارى لهم الناقوس .
[ ص: 233 ] وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة ، فإنما هو شعائر المسلمين ، فإن ، وبهذا يظهر تقصير من فسر ذلك بتلبية الحجاج . الأذان شعار المسلمين
وفي الصحيحين عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أنس " . أنه كان إذا أراد الإغارة إن سمع أذانا أو رأى مسجدا وإلا أغار
وفي لفظ : " مسلم
فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله أكبر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الفطرة . ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال : خرجت من النار . كان يغير إذا طلع الفجر ، وكان يستمع الأذان ، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار " .
وكذلك قوله : " بأيديهم سيوف ذات شفرتين " وهي السيوف العربية التي بها فتح الصحابة وأتباعهم البلاد ، وقوله : " يسبحونه على مضاجعهم . بيان لنعت المؤمنين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى [ ص: 234 ] جنوبهم ، ويصلي أحدهم قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنب ، فلا يتركون ذكر الله في حال ، بل يذكرونه حتى في هذه الحال ، ويصلون في البيوت على المضاجع . بخلاف أهل الكتاب .
، كما في قوله تعالى : والصلاة أعظم التسبيح
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .
وقوله :
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها .
وفي الصحيحين عن قال : جرير بن عبد الله
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى . كنا جلوسا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نظر القمر ليلة البدر ، فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن [ ص: 235 ] استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا . ثم قرأ قوله تعالى :
وهذا معنى قول داود : سبحوا الله تسبيحا جديدا ، والتسابيح التي شرعها الله جديدا : كالصلوات الخمس التي شرعها للمسلمين جديدا . ولما أقامها جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " .
فكان الأنبياء يسبحون في هذه الأوقات كما يدل التسبيح المقدم ، والتسبيح الجديد كما يدل عليه سائر الكلام . ولا يمكن أن يكون ذلك للنصارى ؛ لأنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة ، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم الله بهم من الأمم ، بل أخبارهم تدل على أنهم كانوا مغلوبين مع الأمم ، لم يكونوا يجاهدونهم بالسيف ، بل [ ص: 236 ] النصارى قد تعيب من يقاتل الكفار بالسيف .
ومنهم من يجعل هذا من معايب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، ويغفلون ما عندهم من أن الله أمر موسى بقتال الكفار ، فقاتلهم بنو إسرائيل بأمره ، وقاتلهم يوشع وداود ، وغيرهما من الأنبياء ، وإبراهيم الخليل قاتل لدفع الظلم عن أصحابه .