الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 239 ] فصل

قالوا : وقال : داود في مزمور له : " إن ربنا عظيم محمود جدا " وفي ترجمته : " إلهنا قدوس ، ومحمد قد عم الأرض كلها فرحا " . قالوا : فقد نص داود على اسم محمد - صلى الله عليه وسلم - وبلده ، وسماها قرية الله ، وأخبر أن كلمته تعم الأرض كلها .

قلت : قد تقدم الحديث الصحيح لما قيل لعبد الله بن عمرو ، وروي أنه عبد الله بن سلام " أخبرنا ببعض صفة رسول الله [ ص: 240 ] - صلى الله عليه وسلم - في التوراة " ، فقال : " إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن " ، وذكر صفته موجودة في نبوة أشعياء ، وليست موجودة في نفس كتاب موسى .

وتقدم أن لفظ التوراة يقصدون به جنس الكتب التي عند أهل الكتاب لا يخصون بذلك كتاب موسى .

وإذا كان هذا معروفا عندهم في التوراة والإنجيل ، يراد بالتوراة جنس الكتب التي عند أهل الكتاب ، يتناول ذلك كتاب موسى وزبور داود وصحف سائر الأنبياء - سوى الإنجيل - فإنه ليس عند أهل الكتاب ، وإنما هو عند النصارى خاصة .

وأما سائر كتب الأنبياء ، فالأمتان تقر بها ويؤيد ذلك أن الله [ ص: 241 ] كثيرا ما يقرن في القرآن بين التوراة والإنجيل وبين القرآن ، وإنما يذكر الزبور مفردا ، كقوله تعالى :

الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان .

وقوله :

إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن .

وقوله تعالى :

الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

وأهل الكتاب يجدونه مكتوبا في الكتب التي بأيديهم ، وهو في كثير منها أصرح مما هو في كتاب موسى خاصة .

فإذا أريد بالتوراة جنس الكتب فلا يستريب عاقل في كثرة ذكره ونعته ونعت أمته في تلك الكتب ، ومعلوم أن الله أراد بذلك الاستشهاد [ ص: 242 ] بوجوده في تلك الكتب ، وإقامة الحجة بذكره فيها . فإذا كان ذكره في غير كتاب موسى أكبر وأظهر عندهم ، كان الاستدلال بذلك أولى من تخصيص الاستدلال بكتاب موسى . فإذا حمل لفظ التوراة في هذا على جنس الكتب ، كما هو موجود في لغة من تكلم بذلك من الصحابة والتابعين ، كان هذا في غاية البيان والمدح للقرآن والكتب المتقدمة ، وتصديق بعضها بعضا .

وقد أمرنا أن نؤمن بما أوتي النبيون مطلقا ، كما قال - تعالى - :

قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون .

وقال : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين .

والزبور ذكره مفردا في موضعين من القرآن ، في قوله :

إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما .

[ ص: 243 ]

وقال - تعالى - :

ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا .

فذكره مفردا .

وذكر كتاب موسى بهذه الإضافة ، لا بلفظ التوراة في غير موضع فقال :

أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده .

وقال :

قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .

[ ص: 244 ] إلى قوله .

.

ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين .

وقوله - تعالى - .

وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس .

وقال - تعالى - :

ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن .

وإذا كان لفظ التوراة يتناول الكتب الذي عند أهل الكتابين جميعا ، والزبور وغيره داخل في هذا الاسم ، وكان ظهور اسمه ونعته في التوراة ، ووجود ذلك فيما عندهم ، وتكرره في غاية القوة ، وكان معرفتهم لذلك كما يعرفون أبناءهم واضحا بينا ، إن قدر هذه الكتب التي يعترف بها عامتهم ، لم يكتم منها شيء ، بل هي باقية كما كانت .

التالي السابق


الخدمات العلمية