[ ص: 267 ] قالوا : حبقوق : - وسمي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحا مرتين في نبوته - : " إن الله جاء من التيمن ، والقدوس من وقال جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده ، شعاع منظره مثل النور ، يحوط بلاده بعزه ، تسير المنايا أمامه ، وتصحب سباع الطير أجناده ، قام فمسح الأرض فتضعضعت له الجبال القديمة ، وانخفضت الروابي ، وتزعزعت ستور أهل مدين " .
، [ ص: 268 ] ثم قال : " زجرك في الأنهار ، وإقدام صوامك في البحار ، ركبت الخيول ، وعلوت مراكب الإيفاد ، وستنزع في قسيك أعراقا ونزعا ، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء ، ولقد رأتك الجبال فارتاعت ، وانحرف عنك شؤبوب السيل ، وتغيرت المهاوي تغيرا ورعبا ، رفعت أيديها وجلا وخوفا ، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك ، وتدوخ الأرض غضبا ، وتدوس الأمم زجرا ؛ لأنك ظهرت بخلاص أمتك [ ص: 269 ] وإنقاذ تراث آبائك " .
قالوا : وهذا تصريح بمحمد ، ومن رام صرف نبوة حبقوق هذه عن محمد صلى الله عليه وسلم فقد رام ستر النهار ، وحبس الأنهار ، وأنى يقدر على ذلك ؟ ! وقد سماه باسمه مرتين ، وأخبر بقوة أمته ، وسير المنايا أمامهم ، واتباع جوارح الطير آثارهم . وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد ، ولا تصلح إلا له ، ولا تدل إلا عليه ، فمن حاول صرفها عنه فقد حاول ممتنعا . وقد ذكر فيها مجيء نور الله من التيمن - وهي ناحية مكة والحجاز - فإن أنبياء بني إسرائيل كانوا يكونون من ناحية الشام ، ومحمد جاء من ناحية [ ص: 270 ] اليمن ، وجبال فاران هي جبال مكة - كما قد تقدم بيان ذلك - وهذا مما لا يمكن النزاع فيه .
وأما امتلاء السماء من بهاء أحمد ، بأنوار الإيمان والقرآن التي ظهرت منه ومن أمته ، وامتلاء الأرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم ، فأمر ظاهر ; فإن أمته هم الحمادون ، لا بد لهم من حمد الله في كل صلاة وخطبة ، ولا بد لكل مصل في كل ركعة من يقول : ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) .
فإذا قال :
( الحمد لله رب العالمين ) .
قال الله : حمدني عبدي .
فإذا قال :
( الرحمن الرحيم ) .
[ ص: 271 ] قال : أثنى علي عبدي .
فإذا قال :
( مالك يوم الدين ) .
قال : مجدني عبدي .
فهم يفتحون القيام في الصلاة بالتحميد ، ويختمونها بالتحميد ، وإذا رفعوا رءوسهم من الركوع يقول : إمامهم سمع الله لمن حمده ، ويقولون : جميعا ربنا ولك الحمد ، ويختمون صلاتهم بتحميد ، يجعل التحيات له والصلوات والطيبات . وأنواع تحميدهم لله مما يطول وصفه .