[ ص: 315 ] وقاتل  عمر بن الخطاب  الفرس المجوس  ، وفتح أرضهم ، وظهر تصديق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : إذا هلك  كسرى  فلا  كسرى  بعده ، وإذا هلك قيصر  فلا قيصر  بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل  . أخرجاه في الصحيحين . 
وهذا بعد أن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسوله إلى المجوس  ، وكتب كتابا إلى  كسرى  ملك الفرس   ، كما كتب إلى ملوك النصارى  ، كما تقدم عن قيصر  والمقوقس  ، ولكن ملوك النصارى  تأدبوا معه وخضعوا له ، فبقي ملكهم . وأما ملك الفرس  فمزق كتابه ، فدعا  [ ص: 316 ] عليهم فقال : اللهم مزق ملكهم كل ممزق ، فلم يبق لهم ملك . 
قال  ابن عباس   : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  عبد الله بن حذافة  بكتابه إلى  كسرى  ، فدفعه إلى عظيم البحرين  ، فدفعه عظيم البحرين إلى  كسرى  ، فلما قرأه يعني  كسرى  مزقه ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق  . 
وقال  ابن إسحاق  كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى  كسرى  وقيصر  ، فأما  كسرى  فلما قرأ الكتاب مزقه ، وأما قيصر  لما قرأ الكتاب طواه ووضعه عنده ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما هؤلاء يعني كسرى فيمزقون ، وأما هؤلاء فستكون لهم بقية  . 
قال  ابن إسحاق   : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 317 ]  عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي  إلى  كسرى بن هرمز  ملك الفرس  ، وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد  رسول الله إلى  كسرى  عظيم فارس  ، سلام على من اتبع الهدى ، وآمن بالله ورسوله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا  عبده ورسوله ، فإني أدعوك بدعاية الله ، فإني رسول الله إلى الناس كافة ; لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، فأسلم تسلم ، وإن أبيت فإن إثم المجوس  عليك  . 
فلما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شققه ، وقال : يكتب إلي بهذا الكتاب وهو عبدي ؟ 
 [ ص: 318 ] قلت : وسبب قول  كسرى  هذا استعلائه : أن الحبشة  كانوا قد ملكوا اليمن  ، وملكهم سار إلى مكة  بالفيل ; ليخرب البيت ، وكانوا نصارى  ، فأرسل الله عليهم من ناحية البحر طيرا أبابيل ، وهي جماعات في تفرقة تحمل حجارة من طين ، فألقتها على الحبشة  النصارى فأهلكتهم ، وكان هذا آية عظيمة خضعت بها الأمم للبيت وجيران البيت . 
وعلم العقلاء أن هذا لم يكن نصرا من الله لمشركي العرب ; فإن دين النصارى  خير من دينهم ، وإنما كان نصرا للبيت وللأمة المسلمة التي تعظمه ، وللنبي المبعوث من البيت ، وكان ذلك عام مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله في ذلك : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل  ألم يجعل كيدهم في تضليل  وأرسل عليهم طيرا أبابيل  ترميهم بحجارة من سجيل  فجعلهم كعصف مأكول   . 
ثم إن سيف بن ذي يزن  ذهب إلى  كسرى  ، وطلب منه جيشا  [ ص: 319 ] يغزو به الحبشة  ، فأرسل معه عسكرا من الفرس  والمجوس  ، فأخرجوا الحبشة  من اليمن  ، وصارت اليمن  بيد العرب ، وبها نائب  كسرى  ، وسيف بن ذي يزن  هذا ممن بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ظهوره ، وأخبر بذلك جده عبد المطلب  لما وفد عليه . 
فلما كانت اليمن  مطيعة لكسرى  ، لهذا أرسل إلى نائبه على اليمن  أن يأتيه بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأن عسكر اليمن  في العادة يقهر أهل مكة  والمدينة   . 
قال  ابن إسحاق   : فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مزق الله ملكه حين بلغه أنه شقق كتابه . 
ثم كتب  كسرى  إلى باذان   - وهو على اليمن   - أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز  من عندك رجلين جلدين فليأتياني به ، قال : فبعث  [ ص: 320 ] باذان  قهرمانه ، وهو بابويه ، وقال غيره : فيروز الديلمي  ، وكان حاسبا كاتبا ، وبعث معه برجل من الفرس  ، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى  كسرى  ، وقال لبابويه : ويلك ، انظر ما الرجل وكلمه وائتني بخبره . 
قال : فخرجا حتى قدما إلى الطائف  فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : هو بالمدينة  واستبشروا يعني الكفار ، وقالوا : قد نصب له  كسرى  كفيتم الرجل ، فخرجا حتى قدما المدينة  على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه بابويه ، وقال : إن شاهنشاه ملك الملوك  كسرى  كتب إلى الملك باذان  يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك ، وقد بعثني إليك فانطلق معي ، فإن فعلت كتب معك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به ، وإن أبيت فهو من قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك . 
وكانا قد دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما ، وأبقيا شواربهما فكره النظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لهما : ويلكما من أمركما بهذا ؟ ، قالا : أمرنا بهذا ربنا - يعنيان  كسرى   - فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 321 ] لكن ربي عز وجل أمرني بإعفاء لحيتي وبقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني الغد . 
قال : وجاء الخبر من السماء : أن الله عز وجل سلط على  كسرى  ابنه شيرويه  ، فقتله في شهر كذا ، في ليلة كذا ، في ساعة كذا ، فلما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لهما : إن ربي قتل ربكما ليلة كذا ، في شهر كذا ، بعدما مضى من الليل كذا ، سلط عليه ابنه شيرويه  فقتله ، فقالا له : هل تدري ما تقول ؟ إنا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا فنكتب بهذا عنك ونخبر الملك به ؟ قال :نعم أخبراه ذلك عني ، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك  كسرى  ، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ، وقولا له : إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء  . وأعطى رفيقه منطقة من ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك ، فخرجا من عنده حتى قدما على باذان  وأخبراه الخبر . 
 [ ص: 322 ] فقال : والله ما هذا بكلام ملك ، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول ، ولننظرن ما قد قال ، فلئن كان ما قد قال حقا ما بقي فيه كلام إنه لنبي مرسل ، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا ، فلم يلبث باذان  أن قدم عليه كتاب شيرويه   : أما بعد ، فإنني قد قتلت  كسرى  ولم أقتله إلا غضبا لفارس  لما كان قد استحل قتل أشرافهم وتجهيزهم في بعوثهم ، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك ، وانظر الرجل الذي كان  كسرى  كتب إليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه . 
فلما انتهى كتاب شيرويه  إلى باذان  قال : إن هذا الرجل لرسول الله ، وأسلم لله ، وأسلمت أبناء فارس  من كان منهم باليمن   . 
 [ ص: 323 ] وقال أبو معشر   : حدثني المقبري  قال : جاء فيروز الديلمي  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن  كسرى  كتب إلى باذان   : بلغني أن في أرضك رجلا تنبأ فاربطه وابعث به إلي ، فقال له  [ ص: 324 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ربي غضب على ربك فقتله ، فدمه بنحره سخن الساعة فخرج من عنده فسمع الخبر فأسلم وحسن إسلامه ، وكان رجلا صالحا له في الإسلام آثار جميلة منها قتل الأسود العنسي الكذاب  الذي ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الأسود  جبارا استدعى  بأبي مسلم الخولاني  ، فقال له : أتشهد أني رسول الله ؟ فقال أبو مسلم   : ما أسمع . فقال له : أتشهد أن محمدا  رسول الله ؟ قال : نعم . فردد ذلك عليه مرارا ، فأمر بنار عظيمة فأضرمت ، ثم أمر بإلقاء أبي مسلم  فيها فلم تضره ، فأخمدها الله تعالى حين ألقي فيها ، فقيل له : أخرج هذا عنك من أرضك ; لئلا يفسد عليك أتباعك فأخرجه . 
فقدم أبو مسلم  المدينة  ، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه  [ ص: 325 ] وسلم ، واستخلف  أبو بكر  ، فأناخ راحلته بباب المسجد ، ثم دخل المسجد فقام يصلي إلى سارية ، فبصر به  عمر  ، فقام إليه فقال : ممن الرجل ؟ قال : من أهل اليمن   . قال : ما فعل الذي حرقه الكذاب ؟ قال : ذلك عبد الله بن ثوب   . قال : نشدتك بالله أنت هو ؟ قال : اللهم نعم . فاعتنقه ، ثم بكى ، ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين  أبي بكر  ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد  صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم  خليل الرحمن  . 
 [ ص: 326 ] ثم خرج فيروز الديلمي  على الأسود العنسي  فقتله ، وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وهو في مرض موته ، فخرج فأخبر أصحابه . وقال : قتل الأسود العنسي  الليلة رجل صالح من قوم صالحين  . وقصته مشهورة ، وكذلك قصة مسيلمة الكذاب  ونحوهما من المتنبئين الكذابين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					