الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 340 ] فهذه الدلائل وأضعافها مما تبين أنه نفسه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رسول الله إلى النصارى وغيرهم من أهل الكتاب ، وأنه دعاهم وجاهدهم وأمر بدعوتهم وجهادهم ، وليس هذا مما فعلته أمته بعده بدعة ابتدعوها ، كما فعلت النصارى بعد المسيح عليه السلام ، فإن المسلمين لا يجوزون لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم أن يغيروا شيئا من شريعته ، فلا يحلل ما حرم ولا يحرم ما حلل ، ولا يوجب ما أسقط ولا يسقط ما أوجب ، بل الحلال عندهم ما حلله الله ورسوله ، والحرام ما حرم الله ورسوله ، والدين ما شرعه الله ورسوله ، بخلاف النصارى الذين ابتدعوا بعد المسيح بدعا لم يشرعها المسيح عليه السلام ، ولا نطق بها شيء من الأناجيل ولا كتب الأنبياء المتقدمة وزعموا أن ما شرعه أكابرهم من الدين فإن المسيح يمضيه لهم ، وهذا موضع تنازع فيه الملل الثلاث المسلمون واليهود والنصارى ، كما تنازعوا في المسيح عليه السلام وغير ذلك .

[ ص: 341 ] فاليهود : لا يجوزون لله سبحانه وتعالى أن ينسخ شيئا شرعه .

والنصارى : يجوزون لأكابرهم أن ينسخوا شرع الله بآرائهم .

وأما المسلمون : فعندهم أن الله له الخلق والأمر ، لا شرع إلا ما شرع الله على ألسنة رسله ، وله أن ينسخ ما شاء كما نسخ المسيح ما كان شرعه للأنبياء قبله .

فالنصارى تضع لهم عقائدهم وشرائعهم أكابرهم بعد المسيح ، كما وضع لهم الثلاثمائة وثمانية عشر الذين كانوا في زمن قسطنطين الملك الأمانة التي اتفقوا عليها ، ولعنوا من خالفها من الأريوسية وغيرهم ، وفيها أمور لم ينزل الله بها كتابا ، بل تخالف ما أنزله الله من الكتب مع مخالفتها للعقل الصريح فقالوا فيها : نؤمن بإله واحد ، أب ضابط الكل ، خالق السماوات والأرض ، كل ما يرى وما لا يرى ، وبرب واحد [ ص: 342 ] يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الأب قبل كل الدهور ، نور من نور إله حق من إله حق مولود غير مخلوق مساوي الأب في الجوهر الذي به كان كل شيء ، الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء ، وتجسد من روح القدس ومن مريم العذراء ، وتأنس وصلب على عهد بيلاطس البنطي وتألم وقبر ، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب ، وصعد إلى السماء ، وجلس عن يمين الأب ، وأيضا فسيأتي بمجده ليدين الأحياء والأموات الذي لا فناء لملكه ، وبروح القدس الرب المحيي المنبثق من الأب مع الأب [ ص: 343 ] والابن مسجود له وبمجد الناطق في الأنبياء ، وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية ، واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا ، ونترجى قيامة الموتى ، وحياة الدهر الآتي آمين .

ووضعوا لهم من القوانين والناموس ما لم يوجد في كتب الأنبياء ولا تدل عليه ، بل يوجد بعضه في كتب الأنبياء وزاد أكابرهم أشياء من عندهم لا توجد في كتب الأنبياء ، وغيروا كثيرا مما شرعه الأنبياء ، فما عند النصارى من القوانين والنواميس التي هي شرائع دينهم وبعضه عن الحواريين ، وكثير منه من ابتداع أكابرهم مع مخالفته لشرع الأنبياء ، فدينهم من جنس دين اليهود ، قد لبسوا الحق بالباطل .

وكان المسيح عليه السلام بعث بدين الله الذي بعث به الأنبياء قبله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة كل ما سواه ، وأحل لهم بعض ما حرم الله في التوراة ، فنسخ بعض شرع التوراة .

[ ص: 244 ] وكان الروم واليونان وغيرهم مشركين يعبدون الهياكل العلوية والأصنام الأرضية فبعث المسيح عليه السلام رسله يدعونهم إلى دين الله تعالى ، فذهب بعضهم في حياته في الأرض ، وبعضهم بعد رفعه إلى السماء ، فدعوهم إلى دين الله تعالى ، فدخل من دخل في دين الله ، وأقاموا على ذلك مدة ثم زين الشيطان لمن زين له أن يغير دين المسيح فابتدعوا دينا مركبا من دين الله ورسله : دين المسيح عليه السلام ، ومن دين المشركين .

وكان المشركون يعبدون الأصنام المجسدة التي لها ظل ، وهذا كان دين الروم واليونان ، وهو دين الفلاسفة أهل مقدونية وأثينة ، [ ص: 345 ] كأرسطو وأمثاله من الفلاسفة المشائين وغيرهم ، وكان أرسطو قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة ، وهو وزير الإسكندر بن فيلبس اليوناني المقدوني التي تؤرخ له التاريخ الرومي من اليهود والنصارى ، وهذا كان مشركا يعبد هو وقومه الأصنام ، ولم يكن يسمى ذا القرنين ، ولا هو ذا القرنين المذكور في القرآن ، ولا وصل هذا المقدوني إلى أرض [ ص: 346 ] الترك ولا بنى السد ، وإنما وصل إلى بلاد الفرس .

ومن ظن أن أرسطو كان وزير ذي القرنين المذكور في القرآن فقد غلط غلطا تبين أنه ليس بعارف بأديان هؤلاء القوم ولا بأزمانهم .

فلما ظهر دين المسيح عليه السلام بعد أرسطو بنحو ثلاثمائة سنة في بلاد الروم واليونان ، كانوا على التوحيد إلى أن ظهرت فيهم البدع ، فصوروا الصور المرقومة في الحيطان ، جعلوا هذه الصور عوضا عن تلك الصور .

وكان أولئك يسجدون للشمس والقمر والكواكب ، فصار هؤلاء يسجدون إليها إلى جهة الشرق التي تظهر منها الشمس والقمر والكواكب ، وجعلوا السجود إليها بدلا عن السجود لها ; ولهذا جاء خاتم الرسل صلوات الله عليه وسلامه الذي ختم الله به الرسالة وأظهر به من كمال التوحيد ما لم يظهر بمن قبله ، فأمر صلى الله عليه وسلم أن لا يتحرى أحد بصلاته طلوع الشمس ولا غروبها ; لأن [ ص: 347 ] المشركين يسجدون لها تلك الساعة ، فإذا صلى الموحدون لله عز وجل في تلك الساعة ، صار في ذلك نوع مشابهة لهم فيتخذ ذريعة إلى السجود لها ، وكان من أعظم أسباب عبادة الأصنام تصوير الصور وتعظيم القبور .

ففي صحيح مسلم وغيره : عن أبي الهياج الأسدي : قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ، ولا تمثالا إلا طمسته .

وفي الصحيحين : أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما فعلوا .

[ ص: 348 ] وفي الصحيحين : أنه قال قبل موته بخمس ليال : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، وإني أنهاكم عن ذلك .

ولما ذكروا الكنيسة بأرض الحبشة وذكروا من حسنها وتصاوير فيها فقال : إن أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا تلك التصاوير ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة .

[ ص: 349 ] ونهى أن يستقبل الرجل القبر في الصلاة ; حتى لا يتشبه بالمشركين الذين يسجدون للقبور ، ففي الصحيح أنه قال : لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها . إلى أمثال ذلك مما فيه تجريد التوحيد لله رب العالمين الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله

فأين هذا ممن يصور صور المخلوقين في الكنائس ويعظمها ويستشفع بمن صورت على صورته ؟ وهل كان أصل عبادة الأصنام في بني آدم من عهد نوح عليه السلام إلا هذا ؟ والصلاة إلى الشمس والقمر والكواكب والسجود إليها ذريعة إلى السجود لها ، ولم يأمر أحد من الأنبياء باتخاذ الصور والاستشفاع بأصحابها ، ولا بالسجود إلى الشمس والقمر والكواكب ، وإن كان يذكر عن بعض الأنبياء تصوير صورة لمصلحة ، فإن هذا من الأمور التي قد تتنوع فيها الشرائع [ ص: 350 ] بخلاف السجود لها والاستشفاع بأصحابها ، فإن هذا لم يشرعه نبي من الأنبياء ، ولا أمر قط أحد من الأنبياء أن يدعى غير الله عز وجل لا عند قبره ، ولا في مغيبه ، ولا يشفع به في مغيبه بعد موته ، بخلاف الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة ، وبالتوسل به بدعائه ، والإيمان به ، فهذا من شرع الأنبياء عليهم السلام ، ولهذا قال تعالى : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون .

وقال تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .

وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة .

[ ص: 351 ] وقال تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون .

وقال تعالى : تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار .

وذلك أن المشركين من جميع الأمم لم يكن أحد منهم يقول إن للمخلوقات خالقين منفصلين متماثلين في الصفات ، فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم ، ولكن الثنوية من المجوس ونحوهم يقولون : إن العالم صادر عن أصلين : النور والظلمة ، والنور عندهم هو إله الخير المحمود ، والظلمة هي الإله الشرير المذموم .

وبعضهم يقول : إن الظلمة هي الشيطان ، وهذا ليجعلوا ما في العالم من الشر صادرا عن الظلمة .

[ ص: 352 ] ومنهم من قال : إن الظلمة قديمة أزلية مع أنها مذمومة عندهم ليست مماثلة للنور .

ومنهم من قال : بل هي حادثة ، وأن النور فكر فكرة رديئة ، فحدثت الظلمة عن تلك الفكرة الرديئة .

فقال لهم أهل التوحيد : أنتم بزعمكم كرهتم أن تضيفوا إلى الرب سبحانه وتعالى خلق ما في العالم من الشر وجعلتموه خالقا لأصل الشر ، وهؤلاء مع إثباتهم اثنين وتسمية الناس لهم بالثنوية فهم لا يقولون : إن الشرير مماثل للخير .

وكذلك الدهرية دهرية الفلاسفة وغيرهم ، منهم من ينكر الصانع للعالم ، كالقول الذي أظهره فرعون لعنه الله ، ومنهم من يقر بعلة يتحرك الفلك للتشبه بها كأرسطو وأتباعه ، ومنهم من يقول بالموجب بالذات المستلزم للفلك كابن سينا . [ ص: 353 ] والسهروردي المقتول بحلب وأمثالهما من متفلسفة الملل .

وأما مشركو العرب وأمثالهم فكانوا مقرين بالصانع ، وبأنه خلق السماوات والأرض ، فكانت عقيدة مشركي العرب خيرا من عقيدة هؤلاء الفلاسفة الدهرية إذ كانوا مقرين بأن هذه السماوات مخلوقة لله حادثة بعد أن لم تكن ، وهذا مذهب جماهير أهل الأرض ومن أهل الملل الثلاثة : المسلمون ، واليهود ، والنصارى ، ومن المجوس ، والمشركين ، وهؤلاء الدهرية من الفلاسفة وغيرهم يزعمون أن السماوات أزلية قديمة لم تزل ، وكان مشركو العرب يقرون بأن الله قادر يفعل بمشيئته ويجيب دعاء الداعي إذا دعاه ، وهؤلاء المتفلسفة الدهرية عندهم أن الله لا يفعل شيئا بمشيئته ولا يجيب دعاء الداعي ، بل ولا يعلم الجزئيات ولا يعرف هذا الداعي من هذا الداعي ولا يعرف إبراهيم من موسى من محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله ، بل منهم من ينكر علمه مطلقا كأرسطو وأتباعه ، ومنهم من يقول : إنما يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله .

[ ص: 354 ] ومعلوم أن كل موجود في الخارج فهو جزء معين ، فإن لم يعلم إلا الكليات لم يعلم شيئا من الموجودات المعينة لا الأفلاك ولا الأملاك ولا غير ذلك من الموجودات بأعيانها ، والدعاء عندهم : هو تصوف النفس القوية في هيولي العالم كما ذكر ذلك ابن سينا وأمثاله ، وزعموا أن اللوح المحفوظ هو النفس الفلكية ، وأن حوادث الأرض كلها إنما تحدث عن حركة الفلك ، كما قد بسط الرد عليهم في غير هذا الموضع .

والمقصود هنا أن المشركين لم يكونوا يثبتون مع الله إلها آخر مساويا له في الصفات والأفعال ، بل ولا كانوا يقولون : إن الكواكب والشمس والقمر خلقت العالم ، ولا أن الأصنام تخلق شيئا من العالم ، ومن ظن أن قوم إبراهيم الخليل كانوا يعتقدون أن النجم أو الشمس أو القمر رب العالمين ، أو أن الخليل عليه السلام لما قال هذا ربي أراد به رب العالمين فقد غلط غلطا بينا ، بل قوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع ، وكانوا يشركون بعبادته كأمثالهم من المشركين .

[ ص: 355 ] قال تعالى عن الخليل : واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون .

فأخبر تعالى عن الخليل أنه عدو لكل ما يعبدونه إلا لرب العالمين ، وأخبر أنهم يقولون يوم القيامة : تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين .

[ ص: 356 ] كما قال تعالى في الموضع الآخر : وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين .

وقال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .

ولم يقل : من المعطلين ، فإن قومه كانوا يشركون ، ولم يكونوا معطلين كفرعون اللعين ، فلم يكونوا جاحدين للصانع ، بل عدلوا به ، وجعلوا له أندادا في العبادة والمحبة والدعاء ، وهذا كما قال تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .

وقال تعالى : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله .

وقال تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر .

[ ص: 357 ] وقال تعالى : فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين .

وقال : لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا .

وقال تعالى فيما حكاه عن قوم نوح : وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا .

قال ابن عباس وغيره من العلماء : هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوها .

[ ص: 358 ] وهكذا عند النصارى عن المسيح عليه السلام في كتاب سر بطرس الذي يسمى بشمعون ، وسمعان ، والصفا ، وبطرس ، والأربعة لمسمى واحد ، عندهم عنه كتاب عن المسيح فيه أسرار العلوم ، وهذا فيه عندهم عن المسيح

فالذي تفعله النصارى أصل عبادة الأوثان ، وهكذا قال عالمهم الكبير - الذي يسمونه فم الذهب وهو من أكبر علمائهم - لما ذكر [ ص: 359 ] تولد الذنوب الكبار عن الصغار . قال : وهكذا هجمت عبادة الأصنام فيما سلف لما أكرم الناس أشخاصا يعظم بعضهم بعضا فوق المقدار الذي ينبغي ، الأحياء منهم والأموات .

وقد قال تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا .

قال طائفة من العلماء : كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء كالعزير والمسيح وغيرهما ، فبين الله تبارك وتعالى أن هؤلاء عباده كما أنتم عباده ، يرجون رحمته كما ترجون رحمته ، ويخافون عذابه كما تخافون عذابه ، ويتقربون إليه كما تتقربون إليه ، وقال تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون .

فبين تعالى أن من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا فهو كافر مع اعتقاده أنهم مخلوقون ، فإنه لم يقل أحد قط : أن جميع الملائكة [ ص: 360 ] والنبيين مشاركون لله سبحانه في خلق العالم ، وقد قال تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .

قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : تسألهم من خلق السماوات والأرض ؟ يقولون : الله ، وهم يعبدون غيره ، وقد قال تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله .

في غير موضع ، فأخبر تعالى عن المشركين أنهم كانوا يقرون بأن خالق العالم واحد مع اتخاذهم آلهة يعبدونهم من دونه سبحانه يتخذونهم شفعاء إليه ويتقربون بهم إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية