[ ص: 49 ] وإن كان مقصودهم بذلك على المسلمين قيل لهم : أولا هذه حجة جدلية فما مستندكم فيما بينكم وبين الله في تصديق شخص وتكذيب آخر مع أن دلالة الصدق فيهما واحدة بل هي في الذي كذبتموه أظهر ، فإن كانت حقا لزم تصديق من كذبتموه وفسد دينكم وإن كانت باطلة بطل استدلالكم بها على دينكم فثبت أنهم مع تكذيب الاحتجاج محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يستقيم لهم الاستدلال بكلام أحد من الأنبياء - عليهم السلام .
وقيل لهم ثانيا : المسلمون إنما عرفوا صدق هؤلاء الأنبياء بما دلهم على صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يكن محمد صادقا لم يعرفوا صدق هؤلاء فيبطل دليلكم وإن كان صادقا بطل دين النصارى فيبطل دليل صحته فثبت بطلان دليلهم على كل تقدير .
وقيل لهم ثالثا : محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن قيل أنهم عرفوا ذلك بطريق آخر ، فإن الدليل الذي يدل على صدق واحد منهم يدل على صدق المسلمون لم يصدقوا نبوة أحد من هؤلاء إلا مع نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى فلا يمكنهم تصديق نبي مع تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 50 ] وقيل لهم رابعا : هم إنما يصدقون موسى وعيسى اللذين بشرا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فإن كانا قد بشرا به فثبتت نبوته وإن لم يكونا بشرا به فهم لا يؤمنون إلا بالمبشرين به وبالتوراة والإنجيل اللذين هو مكتوب فيهما .
فإن قدر عدم ذلك فهم لا يسلمون وجود موسى وعيسى وتوراة وإنجيل منزلين من الله ليس فيهما ذكره - صلى الله عليه وسلم .
وإن قالوا : نحن صدقنا هؤلاء الأنبياء بلا علم لنا بصدقهم وطريق يدل على صدقهم ; لأن هذا دين آبائنا وجدناهم يعظمون هؤلاء ويقولون هم أنبياء فاتبعنا آباءنا في ذلك من غير علم وهذا هو الواقع من أكثرهم قيل فإذا كان هذا قولكم في الأنبياء وفيما شهدوا به إن كانوا شهدوا فيلزم أن لا يكونوا عالمين به بل متبعين فيه لآبائهم بغير علم بطريق الأولى وبهذا يحصل المقصود وهو أن ما أنتم عليه من اعتقاد دين النصرانية لا علم لكم ولا دليل لكم على صحته بل أنتم فيه متبعون لآبائكم كاتباع اليهود والمشركين لآبائهم .
ولا ريب أن هذا حال النصارى ولهذا سماهم الله ضلالا في قوله : ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [ ص: 51 ] وقال - تعالى - : وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم وقال - تعالى - : وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم وقال - تعالى - : وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب .
ولهذا النصارى معروفين بالجهل والضلال كما أن كان اليهود معروفون بالظلم والقسوة والعناد فتبين بما ذكرناه أنه لا يمكنهم مع تكذيب محمد - صلى الله عليه وسلم - في كلمة واحدة الاحتجاج بقول واحد من الأنبياء على شيء من دينهم ولا دين غيرهم .