الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 36 ] وأما التوراة فمن المعلوم عند المسلمين واليهود والنصارى أن بيت المقدس خرب الخراب الأول وجلا أهله منه وسبوا ولم يكن هناك من التوراة نسخ كثيرة ظاهرة ، بل إنما أخذت عن نفر قليل .

كما يقولون إن عزيرا أملاها وأنهم وجدوا نسخة أخرى فقابلوها بها والمقابلة تحصل باثنين وقد يغلط أحدهما وهم يذكرون [ ص: 37 ] أن من الملوك من أمر اثنين وسبعين حبرا منهم بنقلها واعتبر بعض تلك النسخ ببعض وهذا إذا كان صدقا لا يمنع أن يكون الغلط وقع في بعض ألفاظها قبل ذلك إلا أن يثبت أنها مأخوذة عن نبي معصوم أو أقر جميع ألفاظها نبي معصوم .

فما قاله المعصوم فهو حق ، وما ثبت بالنقل المتواتر فهو حق .

وهؤلاء القائلون إنه وقع التغيير في بعض ألفاظها في ذلك الزمان يقولون لم تؤخذ عن نبي معصوم ولا نقلت بالتواتر .

ومن نازع من المسلمين وأهل الكتاب يقولون : أخذت عن العزير ، وهو نبي معصوم وهذا مما يحتاج المثبت فيه والنافي إلى تحقيقه .

وإذا قالت النصارى فالمسيح - عليه السلام - أقرها قيل المسيح - عليه السلام - لم يمكن أن يلزمهم بما أوجبه الله عليهم من الإيمان به وطاعته فكيف كان يمكنه أن يغير نسخ التوراة التي عندهم مع كثرتها وهم قد طلبوا قتله وصلبه لعجزه وضعفه وصلبوا شبيهه كما يقوله المسلمون أو صلبوه نفسه ( كما يقوله النصارى ) ، فكيف كان يمكنه أن يصلح ما غير منها ؟

وأما من بعد المسيح فليس معصوما والمسيح غير بعض [ ص: 38 ] أحكامها وأقر أكثرها ، والأحكام إنما يدعي المسلمون فيها النسخ وتبديلها بالاعتقاد بخلاف موجبها والعمل بذلك ، لا يحتاجون إلى دعوى تبديل ألفاظها ، كما بدلوا شريعة الرجم بغيرها وهو مكتوب في التوراة .

بخلاف الخبريات فإن هذه يقول أكثر المسلمين : إن التغيير وقع في بعض ألفاظها .

وأما النبوات المنقولة عن الاثنين وعشرين نبيا فهذه لا تعلم منها نبوة واحدة تواترت جميع ألفاظها ، بل أحسن أحوالها أن تكون بمنزلة الإنجيل وهو بمنزلة ما ينقل من أقوال الأنبياء وسيرهم كسيرة ابن إسحاق أو بعض كتب المساند والسنن التي ينقل فيها ما ينقله الناقلون من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله ، وأكثره صدق ، وبعضه غلط .

ولكن هذه الأمة حفظ الله لها ما أنزله كما قال - تعالى - :

[ ص: 39 ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .

فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط فإن الله يقيم له من الأمة من يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة إذ كانوا آخر الأمم فلا نبي - بعد نبيهم - بعدهم ولا كتاب بعد كتابهم .

وكانت الأمم قبلهم إذا بدلوا وغيروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ولم يكن بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، بل أقام الله لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ به دينه من أهل العلم والقرآن وينفي به تحريف الغالين وانتحال المضلين وتأويل الجاهلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية