ونحن ولله الحمد والمنة نبين أن كل ما احتجوا به من حجة سمعية من القرآن ، أو من الكتب المتقدمة على القرآن ، أو عقلية ، فلا حجة لهم في شيء منها ، بل ، لا لهم ، بل عامة ما يحتجون به من نصوص الأنبياء ، ومن المعقول فهو نفسه حجة عليهم ، ويظهر منه فساد قولهم مع ما يفسده من سائر النصوص النبوية ، والموازين التي هي مقاييس عقلية . الكتب كلها مع القرآن والعقل حجة عليهم
وهكذا يوجد عامة ما يحتج به أهل البدع من كتب الله عز وجل ففي تلك النصوص ما يتبين أنه لا حجة لهم فيها ، بل [ ص: 105 ] هي بعينها حجة عليهم ، كما ذكر أمثال ذلك في الرد على أهل البدع والأهواء ، وغيرهم من أهل القبلة .
وإنما عامة ما عند القوم ألفاظ متشابهة ، تمسكوا بما ظنوها تدل عليه ، وعدلوا عن الألفاظ المحكمة الصريحة المبينة ، مع ما يقترن بذلك من الأهواء .
وهذه حال أهل الباطن ، كما قال تعالى : إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى .
فهم في جهل وظلم ، كما قال تعالى : وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما .
فالمؤمنون الذين تاب الله عليهم من الجهل والظلم هم أتباع الأنبياء عليهم السلام ، فإن الأنبياء بعثوا بالعلم والعدل ، كما قال تعالى : والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
[ ص: 106 ] فبين سبحانه وتعالى أنه ليس ضالا جاهلا ، ولا غاويا متبعا هواه ، ولا ينطق عن هواه ، إنما نطقه وحي أوحاه الله سبحانه وتعالى .
وقال تعالى : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا .
فالهدى يتضمن العلم النافع ، ودين الحق يتضمن العمل الصالح ، ومبناه على العدل ، كما قال تعالى : وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .
، كما قال وأصل العدل العدل في حق الله تعالى ، وهو عبادته وحده لا شريك له ; فإن الشرك ظلم عظيم لقمان لابنه : يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .
[ ص: 107 ] وفي الصحيحين : عن ، رضي الله عنه ، لما نزلت عبد الله بن مسعود الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح إن الشرك لظلم عظيم ؟ .
ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل ، كان بالعلم والعدل لا بالظن ، وما تهوى الأنفس ; ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار ، وأهل البدع : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ، ورجل قضى [ ص: 108 ] للناس على جهل فهو في النار القضاة ثلاثة . رواه وغيره . أبو داود
فإذا كان من يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض ، إذا لم يكن عالما عادلا ، كان في النار ، فكيف بمن يحكم في الملل ، والأديان ، وأصول الإيمان ، والمعارف الإلهية ، والمعالم الكلية بلا علم ، ولا عدل ؟ كحال أهل البدع ، والأهواء ، الذين يتمسكون بالمتشابه المشكوك ، ويدعون المحكم الصريح من نصوص [ ص: 109 ] الأنبياء ويتمسكون بالقدر المشترك المتشابه في المقاييس والآراء ، ويعرضون عما بينهما من الفروق المانعة من الإلحاق والاستواء ، كحال الكفار ، وسائر أهل البدع والأهواء الذين يمثلون المخلوق بالخالق ، والخالق بالمخلوق ، ويضربون لله المثل بالقول الهزء .