المذهب الثالث : الجهمية ) النفاة لصفات الرب - تعالى - القائلين : إن كلامه مخلوق ومن بعض مخلوقاته ، فلم يقم بذاته - سبحانه ، فاتفقوا على هذا الأصل ، واختلفوا في فروعه . مذهب (
قال الأشعري في كتاب المقالات : اختلفت المعتزلة في كلام الله - تعالى - هل هو جسم أو ليس بجسم ، وفي خلقه على ستة أقاويل : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن كلام الله جسم ، وأنه مخلوق ، وأنه لا شيء إلا جسم .
والفرقة الثانية : زعموا أن كلام الخلق عرض ، وهو حركة ; لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة ، وأن كلام الخالق جسم ، وأن ذلك الجسم صوت منقطع مؤلف مسموع ، وهو فعل الله وخلقه ، وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه ، وأحال النظام أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو مكانين في وقت واحد ، وزعم أنه في المكان الذي خلق فيه .
المعتزلة تزعم أن القرآن مخلوق لله ، وأنه عرض ، وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد إذا تلاه تال ، فهو يوجد مع تلاوته ، وإذا كتبه وجد مع كتابته ، وإذا حفظه وجد مع حفظه ، وهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ ، والكتابة ، ولا يجوز عليه الانتقال والزوال . والفرقة الثالثة من
والفرقة الرابعة يزعمون أن كلام الله - عز وجل - عرض ، وأنه مخلوق ، وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد ، وزعموا أن المكان الذي خلقه الله - تعالى - فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره ، وهذا قول جعفر بن حرب وأكثر البغداديين .
الفرقة الخامسة أصحاب معمر يزعمون أن القرآن عرض ، والأعراض عندهم قسمان : [ ص: 376 ] قسم منهما يفعله الأحياء ، وقسم منهما يفعله الأموات ، ومحال أن يكون ما يفعله الأموات فعلا للأحياء ، والقرآن مفعول ، وهو عرض ، ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة ; لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلا لله ، وزعموا أن القرآن فعل للمحل الذي يسمع منه إذا سمع من الشجرة فهو فعل لها ، وحيث سمع فهو فعل المحل الذي حل فيه .
الفرقة السادسة يزعمون أن كلام الله عرض مخلوق ، وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد ، وهذا قول الإسكافي . واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى ؟ فقالت فرقة منهم : يبقى بعد خلقه . وقالت فرقة أخرى : لا يبقى ، وإنما يوجد في الوقت الذي خلقه الله ثم يعدم بعد ذلك . وهذا المذهب هو من فروع ذلك الأصل الباطل المخالف لجميع كتب الله ورسله ، ولصريح المعقول والفطر من جحد صفات الرب وتعطيل حقائق أسمائه وصفاته ، ونفي قيام الأفعال به ، فلما أصلوا أنه لا يقوم به وصف ولا فعل ، كان من فروع هذا الأصل أنه لم يتكلم بالقرآن ولا بغيره ، وأن القرآن مخلوق ، وطرد ذلك إنكار ربوبيته وإلهيته ، فإن ربوبيته - سبحانه - إنما تتحقق بكونه فعالا مدبرا متصرفا في خلقه ، يعلم ويقرر ، ويريد ويسمع ويبصر ، فإذا انتفت عنه صفة الكلام ، انتفى الأمر والنهي ولوازمهما ، وذلك ينفي حقيقة الإلهية ، فطرد ما أصلوه أن الله - سبحانه - ليس برب العالمين ولا إله ، فضلا عن أن يكون لا رب غيره ، ولا إله سواه .