قال في باب تفسير قوله تعالى : ( أبو أحمد العسال الرحمن على العرش استوى ) ، فساق ما ورد فيه من أقوال السلف وأئمتهم وحديث ، وقد مر . ابن مسعود
[ ص: 198 ] وقال أبو بكر الصبغي في قوله تعالى : ( من في السماء ) أي من على العرش كما صحت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وقال في كتاب السنة : باب ما جاء في استواء الله على عرشه بائنا من خلقه ، فساق في الباب حديث أبو القاسم الطبراني أبي رزين العقيلي ، وحديث الأوعال وغيرهما من أحاديث العلو . وقال : الذي يذهب إليه أهل العلم أن الله - تعالى - على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بكل شيء ، قد أحاط بجميع ما خلق في السماوات العلى ، وبجميع ما خلق في سبع أرضين ، يرفع إليه أعمال العباد . أبو بكر الآجري
وقال أبو الشيخ في كتاب العظمة له : ذكر عرش الرب - تبارك وتعالى - وكرسيه وعظم خلقهما ، وعلو الرب فوق عرشه ، وساق جملة أحاديث في ذلك . وقال : استوى على العرش بلا كيف ، فإنه انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه . وقال أبو بكر الإسماعيلي الأستاذ أبو منصور الأزهري : الله - تعالى - على العرش .
وقال أبو الحسن بن مهدي - رحمه الله - في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) : اعلم أن الله - تعالى - في السماء فوق كل شيء ، مستو على العرش بمعنى أنه عال عليه ، ومعنى الاستواء الاعتلاء . وإنما أمرنا الله - تعالى - برفع أيدينا قاصدين إليه برفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه .
وقال - رحمه الله : باب ابن بطة ، وعلمه محيط بخلقه ، أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سماواته ، بائن من خلقه . وقال الإيمان بأن الله - تعالى - على عرشه ، بائن من خلقه رحمه الله تعالى : الدارقطني
حديث الشفاعة في أحمد إلى أحمد المصطفى نسنده وأما حديث بإقعاده
على العرش أيضا فلا نجحده أمروا الحديث على وجهه
ولا تدخلوا فيما يفسده
[ ص: 199 ] وقال ابن منده رحمه الله تعالى : فهو - تعالى - موصوف غير مجهول ، وموجود غير مدرك ، ومرئي غير محاط به لقربه كأنك تراه ، وهو يسمع ويرى ، وهو بالمنظر الأعلى وعلى العرش استوى ، فالقلوب تعرفه ، والعقول لا تكيفه ، وهو بكل شيء محيط . وقال محمد بن أبي زيد المغربي : وأنه - تعالى - فوق عرشه المجيد بذاته ، وأنه في كل مكان بعلمه . قلت : وقد أطلق هذه العبارة أعني قوله " بذاته " أبو جعفر بن أبي شيبة ، ، والدارمي ، ويحيى بن عمار ، وأبو نصر السجزي ، وابن عبد البر ، وشيخ الإسلام الأنصاري وأبو الحسن الكرجي ، ، وأحمد بن ثابت الطرقي وعبد العزيز القحيطي ، وعبد القادر الجبلي ، وطائفة .
وقال - رحمه الله : استوى بمعنى علا ، وقال في قوله ( ابن فورك أأمنتم من في السماء ) : أي من فوق السماء . وقال في إبانته : فإن قيل : فهل تقولون إنه في كل مكان ؟ قيل : معاذ الله ، بل هو مستو على عرشه ، كما أخبر في كتابه ، فقال تعالى : ( ابن الباقلاني الرحمن على العرش استوى ) ، وقال : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، وقال : ( أأمنتم من في السماء ) . . . إلى آخر كلامه .
وقال أبو أحمد القصاب في عقيدته : كان ربنا - عز وجل - وحده لا شيء معه ، ولا مكان يحويه ، فخلق كل شيء بقدرته ، وخلق العرش لا لحاجة إليه ، فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد ، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق . قلت : تفسير الاستواء بالاستقرار لم يرد في الكتاب ولا السنة ، ونحن لا نصف الله إلا بما ثبت في الكتاب والسنة ، لا نزيد عليه ولا ننقص منه .
وقال الحافظ أبو نعيم رحمه الله تعالى : طريقنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ومما اعتقدوه أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة ، لا يزول ولا يحول ، لم يزل عالما بعلم ، بصيرا ببصر ، سميعا بسمع ، متكلما بكلام . . . إلى أن قال : وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ، ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ، وأن الله بائن من خلقه ، والخلق بائنون منه ، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم ، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه . وقال معمر بن زياد في أثناء وصيته : وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ، ولا تمثيل ولا [ ص: 200 ] تأويل ، والاستواء معقول ، والكيف مجهول ، وأنه بائن من خلقه ، والخلق بائنون منه ، وذكر سائر الاعتقاد .
وقال في قوله تعالى : ( أبو القاسم اللالكائي الرحمن على العرش استوى ) : ، قال الله عز وجل : ( وأن الله على عرشه إليه يصعد الكلم الطيب ) ، وقال : ( أأمنتم من في السماء ) ، وقال : ( وهو القاهر فوق عباده ) ، فدلت هذه الآيات أنه في السماء ، وعلمه في كل مكان . روي ذلك عن عمر ، ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومن التابعين : وأم سلمة ربيعة ، ، وسليمان التيمي ، وبه قال ومقاتل بن حيان مالك ، ، والثوري وأحمد .
وقال : هو بذاته على العرش ، وعلمه محيط بكل شيء ، وعلمه وسمعه وبصره وقدرته مدركة لكل شيء ، وذلك معنى قوله تعالى : ( يحيى بن عمار وهو معكم أين ما ) ، فهذا الذي قلناه كما قال الله تعالى ، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : لفظة " بذاته " مستغنى عنها بصريح النصوص الكافية الوافية .
وقال في معتقده المشهور : وأنه خلق العرش لا لحاجة ، واستوى عليه كيف شاء لا استواء راحة ، وكل صفة وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهي صفة حقيقة لا صفة مجاز . وقال القادر بالله أمير المؤمنين رحمه الله تعالى : أجمع المسلمون من أبو عمرو الطلمنكي أهل السنة على أن معنى قوله تعالى : ( وهو معكم أين ما ) ، ونحو ذلك من القرآن أنه علمه ، وأن الله - تعالى - فوق السماوات بذاته ، مستو على عرشه كما نطق به كتابه ، وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا أن الله على عرشه فوق سماواته .
وقال : أئمتنا أبو نصر السجزي ، كسفيان الثوري ومالك ، ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة والفضيل ، ، وابن المبارك وأحمد ، وإسحاق متفقون على أن الله - سبحانه - بذاته فوق العرش ، وعلمه بكل مكان . وقال في أرجوزته التي في عقود الديانة : أبو عمرو الداني
كلامه وقوله قديم وهو فوق عرشه العظيم
وقال في شرح حديث النزول : هذا حديث صحيح لم [ ص: 201 ] يختلف أهل الحديث في صحته ، وفيه دليل أن الله - تعالى - في السماء على العرش ، فوق سبع سماوات كما قالت الجماعة . وقال أيضا : أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل ، قالوا في تأويل قوله تعالى : ( أبو عمر بن عبد البر ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) : هو على العرش ، وعلمه في كل مكان ، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله .
وقال أبو يعلى - رحمه الله - بعد أن ذكر حديث الجارية : الكلام في هذا الخبر في فصلين :
أحدهما : جواز . السؤال عن الله - سبحانه - بأين هو ؟
والثاني : جواز . وقد أخبرنا - تعالى - بأنه في السماء ، فقال : ( الإخبار عنه بأنه في السماء أأمنتم من في السماء ) وهو على العرش . وقال - رحمه الله تعالى - في كتاب المعتقد له : باب القول في الاستواء ، قال الله تعالى : ( أبو بكر البيهقي الرحمن على العرش استوى ) ، وقال : ( ثم استوى على العرش ) ، ( وهو القاهر فوق عباده ) ، ( يخافون ربهم من فوقهم ) ، ( إليه يصعد الكلم الطيب ) ، ( أأمنتم من في السماء ) ، وأراد من فوق السماء كما قال تعالى : ( في جذوع النخل ) ، وقال : ( فسيحوا في الأرض ) أي على الأرض ، وكل ما علا فهو سماء ، والعرش أعلى السماوات ، فمعنى الآية : أأمنتم من على العرش كما صرح به في سائر الآيات .