الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      [ ص: 272 ] ذكر ما قاله أئمة السنة في مسألة القرآن ، وحكم الجهمية .

      قال إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : من قال : القرآن مخلوق ، فهو عندنا كافر ; لأن القرآن من علم الله ، وفيه أسماء الله ، وقال : إذا قال الرجل العلم مخلوق ، فهو كافر ; لأنه يزعم أنه لم يكن لله علم حتى خلقه . وقال رحمه الله تعالى : من قال : إن القرآن مخلوق ، فهو عندنا كافر ; لأن القرآن من علم الله ، قال الله تعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ) ، ( آل عمران 61 ) ، وقال تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) ، ( البقرة : 120 ) ، وقال تعالى : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ) ، ( البقرة : 145 ) ، وقال تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) ، وقال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب ) ، ( هود : 17 ) ، قال أحمد : قال سعيد بن جبير : والأحزاب الملل كلها ، ( فالنار موعده ) ، وقال تعالى : ( ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ) ، ( الرعد : 36 ) ، وقال تعالى : ( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق ) ، ( الرعد : 37 ) ، وقال رحمه الله تعالى : من قال ذاك القول ، لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها ، فإن صلى خلفه ، أعاد الصلاة . يعني : من قال : القرآن مخلوق .

      وقال رحمه الله تعالى : إذا كان القاضي جهميا ، فلا تشهد عنده . وقال إبراهيم بن طهمان : الجهمية كفار ، والقدرية كفار . وقال سلمان التيمي رحمه الله تعالى : ليس قوم أشد بغضا للإسلام من الجهمية والقدرية ، فأما الجهمية فقد بارزوا الله ، وأما القدرية فإنهم قالوا في الله . وقال سلام بن أبي مطيع : الجهمية كفار لا يصلى خلفهم .

      وقال خارجة : الجهمية كفار ، بلغوا نساءهم أنهن طوالق ، وأنهن لا يحللن لأزواجهن ، لا تعودوا مرضاهم ، ولا تشهدوا جنائزهم ، ثم تلا : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى ) . . . إلى قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) .

      [ ص: 273 ] وقال مالك - رحمه الله : من قال : القرآن مخلوق ، يوجع ضربا ويحبس حتى يتوب ، وقال سفيان الثوري - رحمه الله : من زعم أن قول الله ( يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) مخلوق ، فهو كافر زنديق حلال الدم . وقال أيضا : من قال إن ( قل هو الله أحد الله الصمد ) مخلوق ، فهو كافر .

      وقال أبو يوسف القاضي : صنفان ما على وجه الأرض شر منهما : الجهمية ، والمقاتلية .

      قلت : وأظنه يعني بالمقاتلية أتباع مقاتل بن سليمان البلخي ، فإنه رماه الإمام أبو حنيفة بالتشبيه ، فإنه قال : أفرط جهم في نفي التشبيه ، حتى قال : إنه - تعالى - ليس بشيء ، وأفرط مقاتل في معنى الإثبات ، حتى جعله مثل خلقه ، وتابع أبا حنيفة على ذلك جماعة من أئمة الجرح والتعديل من أقرانه ، كأبي يوسف وغيره ، فمن بعدهم ، حتى قال ابن حبان : كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان يشبه الرب بالمخلوق ، وكذبه وكيع وغيره ، والله أعلم بحاله . قال وكيع : مات مقاتل بن سليمان سنة خمسين ومائة ا هـ .

      وقال عبد الله بن المبارك : الجهمية كفار ، وقال : ليس تعبد الجهمية شيئا . وقال : من قال : القرآن مخلوق ، فهو زنديق ، وقال : إنا نستجيز أن نحكي كلام اليهود والنصارى ، ولا نستجيز أن نحكي كلام الجهمية . وقال سفيان بن عيينة : القرآن كلام الله ، من قال مخلوق فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر ، وقال : من قال : القرآن مخلوق ، يحتاج أن يصلب على ذياب ، يعني جبلا . وقال عبد الله بن إدريس - رحمه الله - وقد سئل : ما تقول في الجهمية ، يصلى خلفهم ؟ فقال : أمسلمون هؤلاء ، أمسلمون هؤلاء ؟ لا ، ولا كرامة ، لا يصلى خلفهم .

      وقال له رجل : يا أبا محمد ، إن قبلنا ناسا يقولون القرآن مخلوق . فقال : من اليهود ؟ قال : لا . قال : فمن النصارى ؟ قال : لا . قال فمن المجوس ؟ قال : لا . قال فمن ؟ قال : من الموحدين . قال : كذبوا ، ليس هؤلاء بموحدين ، هؤلاء زنادقة ، هؤلاء زنادقة . وقرأ ابن إدريس ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : الله مخلوق ؟ والرحمن مخلوق ؟ والرحيم مخلوق ؟ هؤلاء زنادقة .

      وسئل عن قوم يقولون القرآن مخلوق ، فاستشنع ذلك ، وقال : سبحان الله ، شيء منه مخلوق ؟ وقال وكيع : فإني أستتيبه ، فإن تاب [ ص: 274 ] ، وإلا قتلته . وقال : من زعم أن القرآن مخلوق ، فقد زعم أنه محدث ، ومن زعم أنه محدث ، فقد كفر .

      وقيل له : إن فلانا يقول إن القرآن محدث ، فقال : سبحان الله ، هذا الكفر . قال السويدي : وسألت وكيعا عن الصلاة خلف الجهمية ، فقال : لا تصل خلفهم . وقال : من زعم أن القرآن مخلوق ، فقد زعم أنه محدث ، يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وقال زهير بن حرب : اختصمت أنا ومثنى ، فقال مثنى : القرآن مخلوق ، وقلت أنا : كلام الله . فقال وكيع وأنا أسمع : هذا كفر ، وقال : من قال : القرآن مخلوق ، هذا كفر ، فقال مثنى : يا أبا سفيان ، قال الله : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) ، ( الشعراء : 5 ) ، فأيش هذا ؟ فقال وكيع : من قال : القرآن مخلوق هذا كفر ، وقال : من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر .

      وقال - رحمه الله : القرآن كلام الله ، أنزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم ، كل صاحب هوى يعرف الله ، ويعرف من يعبد ، إلا الجهمية لا يدرون من يعبدون ، بشر المريسي وأصحابه . وقيل لوكيع في ذبائح الجهمية ، قال : لا توكل ، هم مرتدون ، وقال : من قال إن كلامه ليس منه ، فقد كفر ، وقال : من قال : إن منه شيئا مخلوقا ، فقد كفر .

      وقال فطر بن حماد : سألت معتمر بن سليمان ، فقلت : يا أبا محمد ، إمام لقوم يقول القرآن مخلوق ، أصلي خلفه ؟ فقال : ينبغي أن تضرب عنقه . قال فطر : وسألت حماد بن زيد ، فقلت : يا أبا إسماعيل ، إمام لنا يقول القرآن مخلوق ، أصلي خلفه ؟ فقال : صل خلف مسلم أحب إلي . وسألت يزيد بن زريع ، فقلت : يا أبا معاوية ، إمام لقوم يقول القرآن مخلوق ، أصلي خلفه ؟ قال : لا ولا كرامة .

      وقال عبد الرحمن بن مهدي : من زعم أن الله لم يكلم موسى ، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وقال مرة : لا أرى أن أستتيب الجهمية . وقال - رحمه الله : لو كان لي من الأمر شيء ، لقمت على الجسر ، فلا يمر بي أحد من الجهمية إلا سألته عن القرآن ، فإن قال مخلوق ، ضربت رأسه ورميت به في الماء .

      وقال أبو بكر بن الأسود : لو أن رجلا جهميا مات وأنا وارثه ، ما استحللت أن آخذ من ميراثه . وقال أبو يوسف القاضي : جيئوني بشاهدين يشهدان على المريسي ، والله لأملأن ظهره وبطنه بالسياط ، يقول في القرآن ، يعني " مخلوق " .

      وقال يزيد بن هارون ، وذكر الجهمية ، فقال : هم والله زنادقة ، عليهم لعنة الله . وقال - رحمه الله : والله الذي لا [ ص: 275 ] إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، من قال : القرآن مخلوق ، فهو زنديق ، وسئل عن الصلاة خلفهم ، قال : لا .

      وقال معاذ بن معاذ : من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر . وقال شبابة بن سوار : اجتمع رأيي ورأي أبي النضر هاشم بن القاسم ، وجماعة من الفقهاء على أن المريسي كافر جاحد ، نرى أن يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه .

      وكان أبو توبة الحلبي ، ونعيم بن حماد ، وإبراهيم بن مهدي يكفرون الجهمية ، وقال بشر بن الحارث : لا تجالسوهم ولا تكلموهم ، وإن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ، كيف يرجعون وأنتم تفعلون بهم هذا ؟ قال : يعني الجهمية .

      وقال ابن أبي مريم : من زعم أن القرآن مخلوق ، فهو كافر . وقال أبو الأسود النضر بن عبد الجبار : القرآن كلام الله ، من زعم أنه مخلوق ، فهو كافر ، هذا كلام الزنادقة .

      وقال عباد بن العوام : كلمت بشرا المريسي وأصحابه ، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا : ليس في السماء شيء . وقال عمرو بن الربيع بن طارق : القرآن كلام الله ، من زعم أنه مخلوق ، فهو كافر . وقال هارون أمير المؤمنين : بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق ، لله علي إن أظفرني الله به إلا قتلته قتلة ما قتلتها أحدا قط .

      وقال هارون بن معروف : من قال : القرآن مخلوق ، فهو يعبد صنما . وقال يحيى بن معين - رحمه الله : من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر . وقال رجل لهشيم : إن فلانا يقول القرآن مخلوق ، فقال : اذهب إليه ، فاقرأ عليه أول الحديد وآخر الحشر ، فإن زعم أنهما مخلوقان ، فاضرب عنقه .

      وقال أبو هاشم الغساني مثله ، وقال أبو عبيد : من قال : القرآن مخلوق ، فقد افترى على الله ، وقال عليه ما لم تقله اليهود والنصارى . وقال إسحاق بن البهلول لأنس بن عياض أبي ضمرة : أصلي خلف الجهمية ؟ قال : لا ، ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، ( آل عمران : 85 ) .

      وسئل عيسى بن يونس - رحمه الله - عمن يقول القرآن مخلوق ، فقال : كافر أو كفر . فقيل له : تكفرهم بهذه الكلمة ؟ قال : إن هذا من أيسر ، أو أحسن ما يظهرون . وكان يحيى بن معين - رحمه الله - يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبد الله بن هارون المأمون ما أظهر ، يعني القول بخلق القرآن .

      وقال الحسين بن إبراهيم بن أشكاب ، وعاصم بن علي بن عاصم ، وهارون [ ص: 276 ] الفروي ، وعبد الوهاب الوراق ، وسفيان بن وكيع : القرآن كلام الله ، وليس بمخلوق .

      وسئل جعفر بن محمد - رحمه الله - عن القرآن ، فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله . وروي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال في القرآن : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله . وقال الزهري : سألت علي بن الحسين عن القرآن ، فقال : كتاب الله وكلامه . وعن إبراهيم بن سعد ، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، ووهب بن جرير ، وأبي النضر هاشم بن القاسم ، وسليمان بن حرب قالوا : القرآن كلام الله ليس بمخلوق .

      وقال سفيان بن عيينة : لا نحسن غير هذا ، القرآن كلام الله ( فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ، وقال الإمام مالك بن أنس ، وجماعة من العلماء بالمدينة ، وذكروا القرآن فقالوا : كلام الله ، وهو منه ، وليس من الله شيء مخلوق . وقال حماد بن زيد - رحمه الله : القرآن كلام الله ، أنزله جبريل من عند رب العالمين .

      وقال أبو بكر بن عياش : من زعم أن القرآن مخلوق ، فقد افترى على الله . وقال وكيع : القرآن من الله ، منه خرج وإليه يعود . وقال يحيى بن سعيد : كيف يصنعون بقل هو الله أحد ، كيف يصنعون بهذه الآية ( إني أنا الله ) يكون مخلوقا ؟ وقال وهب بن جرير ، ومحمد بن يزيد الواسطي ، وابن أبي إدريس ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأخوه عثمان بن أبي شيبة ، وأبو عمر الشيباني ، ويحيى بن أيوب ، وأبو الوليد ، وحجاج الأنماطي ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وأبو معمر : القرآن كلام الله ، ليس بمخلوق .

      وقال أبو عمرو الشيباني لإسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة - وقال القرآن مخلوق - فقال الشيباني : خلقه قبل أن يتكلم به أو بعد ما تكلم به ؟ قال : فسكت . وقال حسن بن موسى الأشيب : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إياك نعبد وإياك نستعين ) ، فقال حسن : مخلوق هذا ؟ وقال محمد بن سليمان لوين : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ما رأيت أحدا يقول القرآن مخلوق ، أعوذ بالله . ا هـ من كتاب السنة .

      [ ص: 277 ] وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - في وصيته : القرآن كلام الله غير مخلوق . وقال عفان بن مسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ، ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ، ( قل هو الله أحد ) أمخلوق هذا ؟ أدركت شعبة ، وحماد بن سلمة ، وأصحاب الحسن يقولون : القرآن كلام الله ليس مخلوقا .

      وقال يحيى بن يحيى : من زعم أن من القرآن من أوله إلى آخره آية مخلوقة ، فهو كافر . وقال هشام بن عبيد الله : القرآن كلام الله غير مخلوق . فقال له رجل : أليس الله - تعالى - يقول : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) ؟ فقال : محدث إلينا ، وليس عند الله بمحدث .

      وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - رحمه الله : ليس بين أهل العلم اختلاف أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فكيف يكون شيء خرج من الرب - عز وجل - مخلوقا . وقال أبو جعفر النفيلي : من قال إن القرآن مخلوق ، فهو كافر . فقيل له : يا أبا جعفر ، الكفر كفران : كفر نعمة ، وكفر بالرب ، عز وجل ؟ قال : لا ، بل كفر بالرب عز وجل ، ما تقول فيمن يقول : ( الله أحد الله الصمد ) مخلوق ، أليس كافرا هو ؟ وقال عبد الله بن محمد العيشي : يستحيل في صفة الحكيم أن يخلق كلاما يدعي الربوبية ، يعني قوله تعالى : ( إنني أنا الله ) ، وقوله : ( أنا ربك ) .

      قلت : والمعتزلة يقولون إن كلام الله لموسى خلقه في الشجرة ، فعلى هذا تكون الشجرة هي القائلة : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) ، قبحهم الله في الدنيا والآخرة .

      وقال محمد بن يحيى الذهلي : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع صفاته ، وحيث تصرف . وأما كلام البخاري - رحمه الله تعالى - ومتانته في هذه المسألة ، فأشهر من أن يحتاج إلى تعريف ، وله في ذلك ( كتاب خلق أفعال العباد ) ، وقد بوب في صحيحه على جملة وافية ، تدل على غزارة علمه ، وجلالة شأنه .

      وقال أبو حاتم ، وأبو زرعة : أدركنا العلماء في جميع الأمصار ، فكان من مذاهبهم أن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته ، والقدر خيره ، وشره من الله تعالى ، وأن الله - تعالى - على [ ص: 278 ] عرشه ، بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف ، أحاط بكل شيء علما ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

      وقال محمد بن أسلم الطوسي : القرآن كلام الله غير مخلوق ، أينما تلي وحيثما كتب ، لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل . ا هـ من العلو للذهبي .

      وقال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - رحمه الله تعالى - في كتاب التوحيد بعد تبويبه على تكليم الله موسى - عليه السلام وتكلم الله بالوحي ، وصفة نزول الوحي ، وتكليم الله عباده يوم القيامة ، وتقرير البحث في ذلك ، ثم قال : باب ذكر البيان في كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومن سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على الفرق بين كلام الله - عز وجل - الذي به يكون خلقه ، وبين خلقه الذي يكون بكلامه وقوله ، والدليل على نبذ قول الجهمية الذين يزعمون أن كلام الله - تعالى - مخلوق ، جل ربنا وعز عن ذلك ، قال الله - سبحانه وتعالى : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) ، ( الأعراف : 54 ) ، ففرق الله - تعالى - بين الخلق والأمر الذي به يخلق الخلق بواو الاستئناف ، وأعلمنا الله - جل وعلا - في محكم تنزيله أنه يخلق الخلق بكلامه ، وقوله : ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ، ( النحل : 40 ) فأعلمنا - جل وعلا - أنه يكون كل مكون من خلقه بقوله كن فيكون ، وقوله : كن هو كلامه الذي به يكون الخلق ، وكلامه - عز وجل - الذي به يكون الخلق غير الخلق الذي يكون مكونا بكلامه ، فافهم ولا تغلط ولا تغالط ، ومن عقل عن الله خطابه ، علم أن الله - سبحانه - لما أعلم عباده المؤمنين أن يكون الشيء بقوله كن ، أن القول الذي هو كن غير المكون بكن المقول له كن ، وعقل عن الله أن قوله كن لو كان خلقا ، ما زعمت الجهمية المفترية على الله أنه إنما يخلق الخلق ، ويكونه بخلق لو كان قوله كن خلقا ، فيقال لهم : يا جهلة ، فالقول الذي يكون به الخلق على زعمكم لو كان خلقا ، بم يكونه ؟ أليس قود مقالتكم التي تزعمون أن قوله كن ، إنما يخلقه بقول قبله وهو عندكم خلقه ، وذلك القول [ ص: 279 ] يخلقه بقول قبله ، وهو خلق حتى يصير إلى ما لا غاية له ، ولا عدد ولا أول ، وفي هذا إبطال تكوين الخلق ، وإنشاء البرية ، وإحداث ما لم يكن قبل ، بحدث الله الشيء ونشئه ، وهذا قول لا يتوهمه ذو لب لو تفكر فيه ، ووفق لإدراك الصواب والرشاد ، قال الله - سبحانه وتعالى : ( والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) ، ( الأعراف : 54 ) ، فهل يتوهم مسلم أن الله - تعالى - سخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بخلقه ، أليس مفهوما عند من يعقل عن الله خطابه أن الأمر الذي سخر به غير المسخر بالأمر ، وأن القول غير المقول له ؟ فتفهموا يا ذوي الحجا عن الله خطابه ، وعن النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بيانه ، لا تصدوا عن سواء السبيل فتضلوا كما ضلت الجهمية ، عليهم لعائن الله ، فاسمعوا الآن الدليل الواضح البين غير المشكل من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل العدل عن العدل موصولا إليه ، على الفرق بين خلق الله وبين كلام الله تعالى ، ثم ساق الأحاديث في ذكر كلمات الله - تعالى - إلى حديث : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، ثم قال : أفليس العلم محيطا يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه ، هل سمعت عالما يجيز أن يقول أعوذ بالكعبة من شر خلق الله ، أو يجيز أن يقول أعوذ بالصفا والمروة ، أو أعوذ بعرفات ومنى من شر ما خلق الله ، هذا لا يقوله ولا يجيز القول به مسلم يعرف دين الله ، محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه ، ثم ساق بحثا طويلا فليراجع منه .

      وقال أبو معاوية بن خازم الضرير - رحمه الله : الكلام فيه بدعة وضلالة ، ما تكلم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم - ولا التابعون ، ولا الصالحون - رحمهم الله تعالى ، يعني قول " القرآن مخلوق " .

      وذكر عند أبي نعيم هو الفضل بن دكين من يقول القرآن مخلوق ، فقال ، والله والله ، ما سمعت بشيء من هذا حتى خرج ذاك الخبيث جهم . وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول ذكره ، ولو أردنا [ ص: 280 ] استيعابه لطال الفصل .

      وقد تكرر نقل الإجماع منهم على إثبات ما أثبت الله - عز وجل - لنفسه ، وأثبته رسوله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة فمن بعدهم ، ونفى التكييف عنها لا سيما في مسألة العلو ، وفي هذه المسألة مسألة القرآن ، وتكليم الله - تعالى - موسى ; لأنها أول ما جحده الزنادقة ، قبحهم الله تعالى .

      وفي ذكر من سمينا كفاية ، ومن لم نسم منهم أضعاف ذلك ، ولم يختلف منهم اثنان في أن القرآن كلام الله - تعالى - ليس بمخلوق ، من الله بدأ وإليه يعود ، وتقلدوا كفر من قال بخلق القرآن ، ومنعوا الصلاة خلفه ، وأفتوا بضرب عنقه ، وبتحريم ميراثه على المسلمين ، وحرموا ذبيحته ، وجزموا بأنها ذبيحة مرتد لا تحل للمسلمين ، فانظر أيها المنصف أقوالهم ، ثم اعرضها على نصوص الكتاب والسنة ، هل تجدهم حادوا عنها قيد شبر ، أو قدموا عليها قول أحد من الناس كائنا من كان ؟ حاشا وكلا ومعاذ الله ، بل بها اقتدوا ، ومنها تضلعوا ، وبنورها استضاءوا ، وإياها اتبعوا ، فهداهم الله بذلك لما اختلفت فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .


      هذا مقال المؤمنين جميعهم وعصابة التوحيد أعلام الهدى     الكاشفين عوار كل مشبه
      والقامعين لك من قد ألحدا     زن قولهم بالوحي وانظر هل ترى
      ميلا لهم عما إليه أرشدا     حاشاهم عن أن يميلوا خطوة
      عما إليه الله إياهم هدى     بل أثبتوا لله ما قد أثبتت
      آي الكتاب وكل نص أسندا     ومن النفاة تبرأوا وكذاك من
      قول الممثل إذ تغالى واعتدى     جعلوا إمامهم الكتاب وسنة المختار
      يا طوبى لمن بهما اهتدى     ولذاك أعلى الله جل منارهم
      والملحدون بناءهم قد هددا     وأتم نورهم الإله وغيرهم
      في ظلمة إذ لم يكن بهم اقتدى     يا رب ألحقنا بهم واجعل لنا
      نورا نميز به الضلال من الهدى



      وقضى السلف الصالح رحمهم الله - تعالى - على الطائفة الواقفة ، وهم القائلون : لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق ، بأن من كان منهم يحسن الكلام ، فهو جهمي ، ومن لم يحسن الكلام منهم ، بل علم أنه كان جاهلا جهلا [ ص: 281 ] بسيطا ، فهو تقام عليه الحجة بالبيان والبرهان ، فإن تاب وآمن أنه كلام الله - تعالى - وإلا فهو شر من الجهمية ، وسيأتي إن شاء الله الكلام على اللفظية قريبا ، وسنذكر إن شاء الله - تعالى - في آخر الفصل سائر الفرق المخالفين للسنة في القرآن وغيره من الصفات ; لأنا أحببنا تجريد مذهب أهل السنة على حدته لقصد التيسير ، وبالله التوفيق .

      ( ولا بمفترى ) أي وليس القرآن بمفترى ، كما قاله كفار قريش وغيرهم من أعداء الله - تعالى - حيث قالوا فيه : ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) ، ( المدثر : 24 ) ، وقالوا : ( إن هذا إلا إفك افتراه ) ، ( الفرقان : 4 ) ، ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها ) ، ( الفرقان : 5 ) ، ( يقولون إنما يعلمه بشر ) ( النحل : 103 ) ، وقالوا شعر ، وقالوا كهانة ، وقالوا : ( إن هذا إلا اختلاق ) ، ( ص : 7 ) ، وقالوا : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا ) ، ( الأنفال : 31 ) ، وغير ذلك من مفترياتهم وإفكهم ، وكل ذلك إنما قالوه عنادا ومكابرة ، ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) ( النمل : 14 ) ، وقد كشف الله - تعالى - شبههم ، وأدحض حججهم ، وبهتهم وقطعهم ، وفضحهم على رءوس الأشهاد ، وبين عجزهم ، وكشف عوارهم في جميع ما انتحلوا ، فقال - تعالى - لمن قال : ( إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ) ، قال الله تعالى : ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر ) . . . إلى آخر الآيات .

      وقال تعالى : ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) ، فرد الله ذلك عليهم بقوله : ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) ، ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) ، فرد الله ذلك عليهم بقوله تعالى : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) ، وقال تعالى : ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر ) ، فرد الله ذلك عليهم بقوله عز وجل : ( بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ) .

      قال المفسرون : إن المشركين يشيرون بهذا إلى رجل أعجمي ، كان بين ظهرهم غلاما لبعض بطون قريش ، قيل اسمه [ ص: 282 ] بلعام ، وقيل يعيش ، وقيل عائش ، وقيل جبر ، وقيل يسار ، وقيل غير ذلك ، وربما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء ، فرد الله - عز وجل - عليهم ذلك الافتراء بقوله تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) ، ( النحل : 103 ) أي فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل ، كيف يتعلم من رجل أعجمي ؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من عقل ، وقال في رد قولهم " شعر وكهانة " : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ) ، ( يس : 69 - 70 ) ، وقال تعالى : ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ) ، ( الطور : 29 - 33 ) الآيات ، وقال تعالى : ( وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين ) ( الحاقة : 41 - 48 ) إلى آخر الآيات ، وقال - تعالى - لمن قال : ( إن هذا إلا اختلاق أؤنزل عليه الذكر من بيننا ) ( ص : 7 - 8 ) ، فرد الله - تعالى - ذلك عليهم بقوله عز وجل : ( بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ) ( ص : 8 - 9 ) إلى آخر الآيات ، ورد عليهم - تعالى - في قولهم : ( لو نشاء لقلنا مثل هذا ) بقوله : عز وجل : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ( الإسراء : 88 ) ، وقد تحداهم - تعالى - على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله ، فعجزوا عن ذلك كله ، وبان كذبهم ، قال الله عز وجل : [ ص: 283 ] ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) ، ( الطور : 33 ) ، وقال تعالى وتقدس : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) ، ( هود : 13 - 14 ) ، وقال تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ) ، ( البقرة : 23 - 24 ) ، فعجزوا عن ذلك كله ، ولم يطمعوا في شيء منه مع أنهم فحول اللغة ، وفرسان الفصاحة ، وأهل البلاغة ، وأعلم الناس بنثر الكلام ونظمه ، وهزجه ورجزه ، مع شدة معاندتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به ، وحرصهم على معارضته بكل ممكن ، ولكن جاءهم ما لا قبل لهم به ، وأتاهم ما لا يطيقون ، كلام ذي الملكوت والجبروت والعظمة والكبرياء والعزة والجلال والكمال رب الأرض والسماء ورب الآخرة والأولى ، من له الأسماء الحسنى ، والصفات العلى ، والمثل الأعلى الذي لا سمي له ، ولا كفو له ، وليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، فلما رأوا وجوه إيجازه وإعجازه ، ومبانيه الكاملة ، ومعانيه الشاملة ، وإخباره عن الأمم الماضية ، والغيوب المستقبلة ، والأحكام الواقعة ، ونبأ الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب والتهديد ، وغير ذلك على أكمل وجه ، وأوضح بيان ، وأعلى قصص ، وأعظم برهان ، علموا أنه ليس كلام المخلوقين ، ولا يشبه كلام المخلوقين ، وعلموا أنه الحق ، وإنما رموه بالإفك والبهتان بقولهم كاهن شاعر مجنون وغير ذلك ، إنما هو مكابرة وعناد مع الاعتراف بذلك فيما بينهم كما تقدم عن الوليد وعتبة وأبي جهل ، قبحهم الله وغيرهم .

      ولو كان تقوله كما زعموا هم ، لاستطاعوا معارضته ولم ينقطعوا عن مقاومته ; لأنهم عرب فصحاء مثله ، عارفون بوجوه البلاغة كلها ، لا يجهلون منها شيئا ، ولما عدلوا إلى المكابرة والتبجح بالقول دون الفعل الذي هو أمقت شيء عند العقلاء ، ولكنه كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين على قلب محمد خاتم المرسلين ، وسيد ولد آدم أجمعين ، هدى وبشرى للمسلمين ، وتبيانا لكل شيء ، وتفصيل كل شيء ، وذكرى للمؤمنين [ ص: 284 ] ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) ، ( فصلت : 42 ) ، فلا يأتي مبطل بشبهة إلا وفيه إزهاق باطله ، وكشف شبهته ، وإدحاض حجته ، كما هو معلوم عند من عرف مواقع النزول ، ويكفيك في ذلك قول الله عز وجل : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) ، ( الفرقان : 33 ) .


      يحفظ بالقلب وباللسان     يتلى كما يسمع بالآذان
      كذا بالابصار إليه ينظر     وبالأيادي خطه يسطر
      وكل ذي مخلوقة حقيقه     دون كلام بارئ الخليقه
      جلت صفات ربنا الرحمن     عن وصفها بالخلق والحدثان
      فالصوت والألحان صوت القاري     لكنما المتلو قول الباري
      ما قاله لا يقبل التبديلا     كلا ولا أصدق منه قيلا

      .

      ( يحفظ ) بالبناء للمفعول أي القرآن ( بالقلب ) كما قال تبارك وتعالى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) ، ( الشعراء : 193 ) ، وقال تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) ، ( العنكبوت : 49 ) ، وقال : ( سنقرئك فلا تنسى ) ( الأعلى : 6 ) .

      وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخراب . قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثا ، وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم - يعني ما معه من القرآن - فأتى على رجل من أحدثهم سنا ، فقال : ما معك يا فلان ؟ فقال : معي كذا وكذا ، وسورة البقرة . فقال : أمعك سورة البقرة ؟ قال : نعم . قال : اذهب ، فأنت أميرهم . فقال رجل من أشرافهم : والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا خشية أن لا أقوم بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموا القرآن واقرءوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به [ ص: 285 ] كمثل جراب محشو مسكا ، يفوح ريحه في كل مكان . ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه ، كمثل جراب أوكي على مسك . قال الترمذي : هذا حديث حسن .

      وفي حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - المتفق عليه في قصة الواهبة نفسها ، وفيه قال : ما معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا عددها ، فقال : تقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم . قال : اذهب ، فقد ملكتكها بما معك من القرآن .

      ولأبي داود قال : سورة البقرة والتي تليها ، قال : قم ، فعلمها عشرين آية
      . وفي الصحيحين ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار ، كمثل رجل له إبل ، فإن عقلها حفظها ، وإن أطلق عقالها ذهبت ، فكذلك صاحب القرآن .

      ولهما ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة بالليل ، فقال : يرحمه الله ، لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا . والأحاديث في هذا كثيرة جدا .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية