( فصل ) : وقد تقدم نص
nindex.php?page=treesubj&link=30589التوراة : تجلى الله من
طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران .
قال علماء الإسلام - وهذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=13436أبي محمد بن قتيبة - ليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض ، لأن المجيء أي مجيء الله من
طور سيناء : إنزاله التوراة على
موسى من
طور سيناء كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا ، وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير : إنزاله الإنجيل على
المسيح ، وكان
المسيح من ساعير ، أرض الخليل ، بقرية تدعى ناصرة ، وباسمها تسمى من اتبعه نصارى ، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير
بالمسيح ، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران : إنزاله القرآن على
محمد صلى الله عليه وسلم ، وجبال
فاران هي جبال
مكة ، قال : وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي
مكة ، فإن ادعوا أنها غير
مكة - وليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم - قلنا : أليس في التوراة " أن
إبراهيم أسكن
هاجر وإسماعيل فاران " ؟ ! وقلنا لهم : دلونا
[ ص: 346 ] على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران ، والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد
المسيح .
أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد ، وهما ظهر وانكشف ، فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فبينوه لنا ؟ قال علماء الإسلام : وساعير جبال بالشام ، منه ظهور نبوة
المسيح إلى جانب قرية
بيت لحم - القرية التي ولد فيها
المسيح - تسمى اليوم ساعير .
وفي التوراة أن نسل
العيص كانوا سكانا
بساعير ، وأمر الله
موسى أن لا يؤذيهم .
قال شيخ الإسلام : - يعني
ابن تيمية رحمه الله - وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة ، وحراء الذي ليس حول
مكة أعلى منه ، وفيه ابتداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه ، وحوله جبال كثيرة ، وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم ، والبرية التي بين
مكة وطور سيناء تسمى
برية فاران ، ولا يمكن أحدا أن يدعي أنه بعد
المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الأماكن ولا بعث نبي ، فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال
محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني ، فذكر إنزال التوراة ثم الإنجيل ثم القرآن ، وهذه الكتب نور الله تعالى وهدايته ، وقال في الأول : جاء ، وفي الثاني : أشرق ، وفي الثالث : استعلن ، وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر ، ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس ، ونزول القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء ، ولهذا قال : واستعلن من جبال فاران ، فإن
محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه
[ ص: 347 ] في مشرق الأرض ومغربها أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين ، كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها إذا استعلت وتوسطت السماء ، ولهذا سماه الله تعالى سراجا منيرا ، وسمى الشمس سراجا وهاجا ، والخلق يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج ، فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت ، وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت ، وفي كل مكان ليلا ونهارا ، سرا وعلانية .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الأماكن الثلاثة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1والتين والزيتون وهو في الأرض المقدسة التي بعث منها
المسيح ، وأنزل فيها الإنجيل
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وطور سينين وهو الجبل الذي كلم الله عليه
موسى عليه الصلاة والسلام تكليما ، وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة في الشجرة التي فيه ، وأقسم بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3البلد الأمين وهو
مكة ، التي أسكن
إبراهيم إسماعيل وأمه فيه وهو
فاران كما تقدم ، ولما كان ما في التوراة خبرا عن ذلك أخبر به على الترتيب الزماني ، فقدم الأسبق ، ثم الذي يليه ، وأما القرآن فإنه أقسم به تعظيما لشأنها ، وإظهارا لقدرته وآياته وكتبه ورسله ، فأقسم بها على وجه التدريج درجة بعد درجة ، فبدأ بالعالي ، ثم انتقل إلى أعلى منه ، ثم أعلى منه ، فإن أشرف الكتب القرآن ، ثم التوراة ، ثم الإنجيل ، وكذلك الأنبياء الثلاثة .
( فَصْلٌ ) : وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ
nindex.php?page=treesubj&link=30589التَّوْرَاةِ : تَجَلَّى اللَّهُ مِنْ
طُورِ سَيْنَاءَ ، وَأَشْرَقَ مِنْ سَاعِيرَ ، وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ .
قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ - وَهَذَا لَفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13436أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ - لَيْسَ بِهَذَا خَفَاءٌ عَلَى مَنْ تَدَبَّرَهُ وَلَا غُمُوضٌ ، لِأَنَّ الْمَجِيءَ أَيْ مَجِيءُ اللَّهِ مِنْ
طُورِ سَيْنَاءَ : إِنْزَالُهُ التَّوْرَاةَ عَلَى
مُوسَى مِنْ
طُورِ سَيْنَاءَ كَالَّذِي هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعِنْدَنَا ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ : إِنْزَالَهُ الْإِنْجِيلَ عَلَى
الْمَسِيحِ ، وَكَانَ
الْمَسِيحُ مِنْ سَاعِيرَ ، أَرْضِ الْخَلِيلِ ، بِقَرْيَةٍ تُدْعَى نَاصِرَةَ ، وَبِاسْمِهَا تَسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ نَصَارَى ، وَكَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِشْرَاقُهُ مِنْ سَاعِيرَ
بِالْمَسِيحِ ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعْلَانُهُ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ : إِنْزَالَهُ الْقُرْآنَ عَلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجِبَالُ
فَارَانَ هِيَ جِبَالُ
مَكَّةَ ، قَالَ : وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ خِلَافٌ فِي أَنَّ فَارَانَ هِيَ
مَكَّةُ ، فَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهَا غَيْرُ
مَكَّةَ - وَلَيْسَ يُنْكَرُ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَإِفْكِهِمْ - قُلْنَا : أَلَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ " أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ أَسْكَنَ
هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ فَارَانَ " ؟ ! وَقُلْنَا لَهُمْ : دُلُّونَا
[ ص: 346 ] عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْلَنَ اللَّهُ مِنْهُ وَاسْمُهُ فَارَانُ ، وَالنَّبِيِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا بَعْدَ
الْمَسِيحِ .
أَوَلَيَسَ اسْتَعْلَنَ وَعَلَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَهُمَا ظَهَرَ وَانْكَشَفَ ، فَهَلْ تَعْلَمُونَ دِينًا ظَهَرَ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَفَشَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا فَبَيِّنُوهُ لَنَا ؟ قَالَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ : وَسَاعِيرُ جِبَالٌ بِالشَّامِ ، مِنْهُ ظُهُورُ نُبُوَّةِ
الْمَسِيحِ إِلَى جَانِبِ قَرْيَةِ
بَيْتِ لَحْمٍ - الْقَرْيَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا
الْمَسِيحُ - تُسَمَّى الْيَوْمَ سَاعِيرَ .
وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّ نَسْلَ
الْعِيصِ كَانُوا سُكَّانًا
بِسَاعِيرَ ، وَأَمَرَ اللَّهُ
مُوسَى أَنْ لَا يُؤْذِيَهُمْ .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - يَعْنِي
ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ الْجِبَالَ الثَّلَاثَةَ ، وَحِرَاءُ الَّذِي لَيْسَ حَوْلَ
مَكَّةَ أَعْلَى مِنْهُ ، وَفِيهِ ابْتِدَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ ، وَحَوْلَهُ جِبَالٌ كَثِيرَةٌ ، وَذَلِكَ الْمَكَانُ يُسَمَّى فَارَانَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ ، وَالْبَرِّيَّةُ الَّتِي بَيْنَ
مَكَّةَ وَطُورِ سَيْنَاءَ تُسَمَّى
بَرِّيَّةَ فَارَانَ ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَعْدَ
الْمَسِيحِ نَزَلَ كِتَابٌ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَلَا بُعِثَ نَبِيٌّ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْتِعْلَانِهِ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ إِلَّا إِرْسَالُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ ذَكَرَ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ ، فَذَكَرَ إِنْزَالَ التَّوْرَاةِ ثُمَّ الْإِنْجِيلِ ثُمَّ الْقُرْآنِ ، وَهَذِهِ الْكُتُبُ نُورُ اللَّهِ تَعَالَى وَهِدَايَتُهُ ، وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ : جَاءَ ، وَفِي الثَّانِي : أَشْرَقَ ، وَفِي الثَّالِثِ : اسْتَعْلَنَ ، وَكَانَ مَجِيءُ التَّوْرَاةِ مِثْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَنُزُولُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ ، وَنُزُولُ الْقُرْآنِ بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ ، وَلِهَذَا قَالَ : وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ ، فَإِنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهَرَ بِهِ نُورُ اللَّهِ وَهُدَاهُ
[ ص: 347 ] فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا أَعْظَمَ مِمَّا ظَهَرَ بِالْكِتَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ، كَمَا يَظْهَرُ نُورُ الشَّمْسِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِذَا اسْتَعْلَتْ وَتَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى سِرَاجًا مُنِيرًا ، وَسَمَّى الشَّمْسَ سِرَاجًا وَهَّاجًا ، وَالْخَلْقُ يَحْتَاجُونَ إِلَى السِّرَاجِ الْمُنِيرِ أَعْظَمَ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ، فَإِنَّ هَذَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ، وَأَمَّا السِّرَاجُ الْمُنِيرُ فَيَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ لَيْلًا وَنَهَارًا ، سِرًّا وَعَلَانِيَةً .
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الْأَمَاكِنَ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=1وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بُعِثَ مِنْهَا
الْمَسِيحُ ، وَأُنْزِلَ فِيهَا الْإِنْجِيلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=2وَطُورِ سِينِينَ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَكْلِيمًا ، وَنَادَاهُ مِنْ وَادِيهِ الْأَيْمَنِ مِنَ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ فِي الشَّجَرَةِ الَّتِي فِيهِ ، وَأَقْسَمَ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=95&ayano=3الْبَلَدِ الْأَمِينِ وَهُوَ
مَكَّةُ ، الَّتِي أَسْكَنَ
إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ فِيهِ وَهُوَ
فَارَانُ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمَّا كَانَ مَا فِي التَّوْرَاةِ خَبَرًا عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الزَّمَانِيِّ ، فَقَدَّمَ الْأَسْبَقَ ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ أَقْسَمَ بِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا ، وَإِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ وَآيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، فَأَقْسَمَ بِهَا عَلَى وَجْهِ التَّدْرِيجِ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ ، فَبَدَأَ بِالْعَالِي ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى أَعْلَى مِنْهُ ، ثُمَّ أَعْلَى مِنْهُ ، فَإِنَّ أَشْرَفَ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ ، ثُمَّ التَّوْرَاةُ ، ثُمَّ الْإِنْجِيلُ ، وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ الثَّلَاثَةُ .