[ ص: 455 ] القسم الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=28746_28751فيما يجب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما يستحيل في حقه أو يجوز عليه ، وما يمتنع أو يصح من الأحوال البشرية أن يضاف إليه
مقدمة القسم الثالث
قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل [ آل عمران : 144 ] الآية . .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام [ المائدة : 75 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق [ الفرقان : 20 ] .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد [ الكهف : 110 ] الآية . .
فمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وسائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر ، ولولا ذلك لما أطلق الناس مقاومتهم ، والقبول عنهم ، ومخاطبتهم .
قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا [ الأنعام : 9 ] ، أي لما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنهم مخالطتهم ، إذ لا تطيقون مقاومة الملك ، ومخاطبته ، ورؤيته إذا كان على صورته .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا [ الإسراء : 95 ] ، أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه ، أو من خصه الله - تعالى - ، واصطفاه ، وقواه على مقاومته ، كالأنبياء ، والرسل .
فالأنبياء ، والرسل - عليهم السلام - ، وسائط بين الله - تعالى - ، وبين خلقه يبلغونهم أوامره ، ونواهيه ، ووعده ، ووعيده ، ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره ، وخلقه ، وجلاله ، وسلطانه وجبروته ، وملكوته ، فظواهرهم ، وأجسادهم ، وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر ، طارئ عليها ما يطرأ على البشر من الأعراض ، والأسقام ، والموت ، والفناء ، ونعوت الإنسانية ، وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر ، متعلقة بالملأ الأعلى ، متشبهة بصفات الملائكة ، سليمة من التغير ، والآفات ، لا يلحقها غالبا عجز البشرية ، ولا ضعف الإنسانية ، إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة ، ورؤيتهم ، ومخاطبتهم ، ومخالتهم ، كما لا يطيقه غيرهم من البشر .
ولو كانت أجسامهم ، وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة ، وبخلاف صفات البشر ، لما أطاق البشر ، ومن أرسلوا إليهم مخالطتهم ، كما تقدم من قول الله - تعالى - ، فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ، ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989807لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ، لكن صاحبكم خليل الرحمن .
وكما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989808تنام [ ص: 456 ] عيناي ، ولا ينام قلبي إني لست كهيئتكم ، إني أظل يطعمني ربي ، ويسقيني .
فبواطنهم منزهة من الآفات ، مطهرة من النقائص ، والاعتلالات .
وهذه جملة لن يكتفي بمضمونها كل ذي همة ، بل الأكثر يحتاج إلى بسط وتفصيل على ما نأتي به بعد هذا في البابين بعون الله ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
[ ص: 455 ] الْقِسْمُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28746_28751فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ أَوْ يَجُوزُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَمْتَنِعُ أَوْ يَصِحُّ مِنَ الْأَحْوَالِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ
مُقَدِّمَةُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ [ آلِ عِمْرَانَ : 144 ] الْآيَةَ . .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=75مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ [ الْمَائِدَةِ : 75 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [ الْفَرْقَانِ : 20 ] .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [ الْكَهْفِ : 110 ] الْآيَةَ . .
فَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْبَشَرِ أُرْسِلُوا إِلَى الْبَشَرِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَطْلَقَ النَّاسُ مُقَاوَمَتَهُمْ ، وَالْقَبُولَ عَنْهُمْ ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ .
قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا [ الْأَنْعَامِ : 9 ] ، أَيْ لَمَا كَانَ إِلَّا فِي صُورَةِ الْبَشَرِ الَّذِينَ يُمْكِنُهُمْ مُخَالَطَتَهُمْ ، إِذْ لَا تُطِيقُونَ مُقَاوَمَةَ الْمَلَكِ ، وَمُخَاطَبَتَهُ ، وَرُؤْيَتَهُ إِذَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [ الْإِسْرَاءِ : 95 ] ، أَيْ لَا يُمْكِنُ فِي سُنَّةِ اللَّهِ إِرْسَالُ الْمَلَكِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ ، أَوْ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَاصْطَفَاهُ ، وَقَوَّاهُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِ ، كَالْأَنْبِيَاءِ ، وَالرُّسُلِ .
فَالْأَنْبِيَاءُ ، وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - ، وَسَائِطُ بَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَبَيْنَ خَلْقِهِ يُبَلِّغُونَهُمْ أَوَامِرَهُ ، وَنَوَاهِيَهُ ، وَوَعْدَهُ ، وَوَعِيدَهُ ، وَيُعَرِّفُونَهُمْ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ مِنْ أَمْرِهِ ، وَخَلْقِهِ ، وَجَلَالِهِ ، وَسُلْطَانِهِ وَجَبَرُوتِهِ ، وَمَلَكُوتِهِ ، فَظَوَاهِرُهُمْ ، وَأَجْسَادُهُمْ ، وَبِنْيَتُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بِأَوْصَافِ الْبَشَرِ ، طَارِئٌ عَلَيْهَا مَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَشَرِ مِنَ الْأَعْرَاضِ ، وَالْأَسْقَامِ ، وَالْمَوْتِ ، وَالْفَنَاءِ ، وَنُعُوتِ الْإِنْسَانِيَّةِ ، وَأَرْوَاحُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ مُتَّصِفَةٌ بِأَعْلَى مِنْ أَوْصَافِ الْبَشَرِ ، مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى ، مُتَشَبِّهَةٌ بِصِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ ، سَلِيمَةٌ مِنَ التَّغَيُّرِ ، وَالْآفَاتِ ، لَا يَلْحَقُهَا غَالِبًا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ ، وَلَا ضَعْفُ الْإِنْسَانِيَّةِ ، إِذْ لَوْ كَانَتْ بَوَاطِنُهُمْ خَالِصَةً لِلْبَشَرِيَّةِ كَظَوَاهِرِهِمْ لَمَا أَطَاقُوا الْأَخْذَ عَنِ الْمَلَائِكَةِ ، وَرُؤْيَتَهُمْ ، وَمُخَاطَبَتَهُمْ ، وَمُخَالَّتَهُمْ ، كَمَا لَا يُطِيقُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ .
وَلَوْ كَانَتْ أَجْسَامُهُمْ ، وَظَوَاهِرُهُمْ مُتَّسِمَةً بِنُعُوتِ الْمَلَائِكَةِ ، وَبِخِلَافِ صِفَاتِ الْبَشَرِ ، لَمَا أَطَاقَ الْبَشَرُ ، وَمَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ مُخَالَطَتَهُمْ ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، فَجُعِلُوا مِنْ جِهَةِ الْأَجْسَامِ وَالظَّوَاهِرِ مَعَ الْبَشَرِ ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَرْوَاحِ وَالْبَوَاطِنِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989807لَوْ كُنْتُ مْتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ ، لَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ .
وَكَمَا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989808تَنَامُ [ ص: 456 ] عَيْنَايَ ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي ، وَيَسْقِينِي .
فَبَوَاطِنُهُمْ مُنَزَّهَةٌ مِنَ الْآفَاتِ ، مُطَهَّرَةٌ مِنَ النَّقَائِصِ ، وَالِاعْتِلَالَاتِ .
وَهَذِهِ جُمْلَةٌ لَنْ يَكْتَفِيَ بِمَضْمُونِهَا كُلُّ ذِي هِمَّةٍ ، بَلِ الْأَكْثَرُ يَحْتَاجُ إِلَى بَسْطٍ وَتَفْصِيلٍ عَلَى مَا نَأْتِي بِهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْبَابَيْنِ بِعَوْنِ اللَّهِ ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .