الفصل الخامس :
وأما أقواله - صلى الله عليه وسلم - فقامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه ، وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منها بخلاف ما هو به ، لا قصدا ، ولا عمدا ، ولا سهوا ، ولا غلطا . صدق أقواله - صلى الله عليه وسلم -
أما تعمد الخلف في ذلك فمنتف ، بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله صدق فيما قال اتفاقا ، وبإطباق أهل الملة إجماعا .
وأما وقوعه على جهة الغلط في ذلك فبهذه السبيل عند الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائني ، ومن قال بقوله ، ومن جهة الإجماع فقط وورود الشرع بانتقاء ذلك ، وعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من مقتضى المعجزة نفسها عند القاضي ، ومن وافقه لاختلاف بينهم في مقتضى دليل المعجزة لا نطول بذكره ، فنخرج عن غرض الكتاب ، فلنعتمد على ما وقع عليه إجماع المسلمين أنه لا يجوز عليه خلف في القول في إبلاغ الشريعة ، والإعلام بما أخبر به عن ربه ، وما أوحاه إليه من وحيه ، لا على وجه العمد ، ولا على غير عمد ، ولا في حالي الرضى ، والسخط ، والصحة ، والمرض . أبي بكر الباقلاني
وفي حديث : قلت يا رسول الله ، عبد الله بن عمرو . أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : [ نعم ] . قلت : في الرضى والغضب ؟ قال : نعم ، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا
ولنزد ما أشرنا إليه من دليل المعجزة عليه بيانا ، فنقول :
إذا قامت المعجزة على صدقه ، وأنه لا يقول إلا حقا ، ولا يبلغ عن الله إلا صدقا ، وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له : صدقت فيما تذكره عني ، وهو يقول : إني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم لأبلغكم ما أرسلت به إليكم ، أبين لكم ما نزل عليكم ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ النجم : 3 - 4 ] .
وقد جاءكم الرسول بالحق من ربكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] ، فلا يصح أن يوجد [ ص: 477 ] منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره على أي وجه كان .
فلو جوزنا عليه الغلط ، والسهو لما تميز لنا من غيره ، ولا اختلط الحق بالباطل ، فالمعجزة مشتملة على تصديقه جملة واحدة من غير خصوص فتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك كله واجب برهانا ، وإجماعا كما قاله أبو إسحاق .