[ ص: 187 ] الفصل السابع عشر : الشفقة ، والرأفة
وأما لجميع الخلق فقد قال الله تعالى فيه : الشفقة ، والرأفة ، والرحمة عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم [ التوبة : 128 ] .
وقال - تعالى - : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ الأنبياء : 107 ] . قال بعضهم : من فضله - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى أعطاه اسمين من أسمائه ، فقال : بالمؤمنين رءوف رحيم .
وحكى نحوه الإمام . [ حدثنا الفقيه أبو بكر بن فورك أبو محمد عبد الله بن محمد الخشبي بقراءتي عليه ، حدثنا إمام الحرمين ، حدثنا أبو علي الطبري ، حدثنا عبد الغافر الفارسي ، حدثنا أبو أحمد الجلودي إبراهيم بن سفيان ، حدثنا ، حدثنا مسلم بن الحجاج أبو الطاهر ، أنبأنا يونس ] عن ، قال : ابن شهاب مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة صفوان بن أمية . غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة ، وذكر حنينا ، قال : فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال ، حدثنا ابن شهاب أن سعيد بن المسيب صفوان قال : . والله لقد أعطاني ما أعطاني ، وإنه لأبغض الخلق إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي
وروي أن أعرابيا جاءه يطلب منه شيئا ، فأعطاه ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ . قال الأعرابي : لا ولا أجملت . فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا ، ثم قام ، ودخل منزله ، وأرسل إليه ، وزاده شيئا ، ثم قال : [ أحسنت إليك ؟ ] قال : نعم ، فجزاك الله من أهل ، وعشيرة خيرا .
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك قلت ما قلت ، وفي أنفس أصحابي من ذلك شيء ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك . قال : نعم . فلما كان الغد أو العشي جاء ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن هذا الأعرابي قال ما قال ، فزدناه فزعم أنه رضي ، أكذلك ؟ قال : نعم ، فجزاك الله من أهل ، وعشيرة خيرا . قال - صلى الله عليه وسلم - : مثلي ، ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه ، فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا ، فناداهم صاحبها : خلوا بيني ، وبين ناقتي ، فإني أرفق بها منكم ، وأعلم ، فتوجه لها بين يديها ، فأخذ لها [ ص: 188 ] من قمام الأرض ، فردها حتى جاءت ، واستناخت ، وشد عليها رحلها ، واستوى عليها ، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار .
وروي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : . لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم ، وأنا سليم الصدر
ومن - تخفيفه ، وتسهيله عليهم ، وكراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم ، كقوله - عليه الصلاة ، والسلام - : شفقته على أمته - صلى الله عليه وسلم وخبر صلاة الليل . ونهيهم عن الوصال . وكراهته دخول الكعبة لئلا تتعنت أمته . ورغبته لربه أن يجعل سبه ولعنه لهم رحمة بهم ، وأنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته . لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء .
ومن شفقته - صلى الله عليه وسلم - أن دعا ربه ، وعاهده ، فقال : أيما رجل سببته أو لعنته فاجعل ذلك له زكاة ، ورحمة ، وصلاة ، وطهورا ، وقربة فقربه بها إليك يوم القيامة .
ولما كذبه قومه أتاه جبريل - عليه السلام - ، . فقال له : إن الله - تعالى - قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداه ملك الجبال ، وسلم عليه ، وقال : مرني بما شئت ، وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا
وروى أن ابن المنكدر جبريل - عليه السلام - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله - تعالى - أمر [ ص: 189 ] السماء ، والأرض ، والجبال أن تطيعك . فقال : أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم .
قالت عائشة : . ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما
وقال - رضي الله عنه - : ابن مسعود كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا .
وعن عائشة . أنها ركبت بعيرا ، وفيه صعوبة ، فجعلت تردده ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليك بالرفق