الفصل الثامن :
هذه الوجوه الأربعة من إعجازه بينة لا نزاع فيها ، ولا مرية . ومن الوجوه البينة في إعجازه [ ص: 286 ] من غير هذه الوجوه أي وردت بتعجيز قوم في قضايا ، وإعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ، ولا قدروا على ذلك ، كقوله التحدي ، والتعجيز لليهود : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة [ البقرة : 94 ] الآية .
قال : في هذه الآية أعظم حجة ، وأظهر دلالة على صحة الرسالة ، لأنه قال : أبو إسحاق الزجاج فتمنوا الموت [ الجمعة : 6 ] ، وأعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا ، فلم يتمنه واحد منهم .
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه يعني يموت مكانه .
فصرفهم الله عن تمنيه ، وجزعهم ، ليظهر صدق رسوله ، وصحة ما أوحي إليه ، إذا لم يتمنه أحد منهم ، وكانوا على تكذيبه أحرص لو قدروا ، ولكن الله يفعل ما يريد ، فظهرت بذلك معجزته ، وبانت حجته .
قال : من أعجب أمرهم أنه لا يوجد منهم جماعة ، ولا واحد من يوم أمر الله بذلك نبيه يقدم عليه ، ولا يجيب إليه . أبو محمد الأصيلي
وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم .
وكذلك آية المباهلة من هذا المعنى ، حيث وفد عليه أساقفة نجران ، وأبوا الإسلام ، فأنزل الله - تعالى - عليه آية المباهلة بقوله : فمن حاجك فيه [ آل عمران : 61 ] الآية .
فامتنعوا منها ، ورضوا بأداء الجزية ، وذلك أن العاقب عظيمهم قال لهم : قد علمتم أنه نبي ، وأنه ما لاعن قوما نبي قط فبقي كبيرهم ، ولا صغيرهم .
ومثله قوله : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا [ البقرة : 23 ] - إلى قوله - : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا [ البقرة : 23 ] .
فأخبرهم أنهم لا يفعلون ، كما كان . وهذه الآية أدخل في باب الإخبار عن الغيب ، ولكن فيها من التعجيز ما في التي قبلها .