[ ص: 401 ] الفصل الثالث : حرمته ، وتوقيره - صلى الله عليه وسلم -
واعلم أن لازم كما كان حال حياته ، وذلك عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر حديثه ، وسنته ، وسماع اسمه ، وسيرته ، ومعاملة آله ، وعترته ، وتعظيم أهل بيته ، وصحابته . حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته ، وتوقيره ، وتعظيمه
وقال : واجب على كل مؤمن متى ذكره ، أو ذكر عنده أن يخضع ، ويخشع ، ويتوقر ، ويسكن من حركته ، ويأخذ في هيبته ، وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ، ويتأدب بما أدبنا الله به . أبو إبراهيم التجيبي
قال القاضي أبو الفضل : وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح ، وأئمتنا الماضين - رضي الله عنهم - .
[ حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ] ، قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا ترفع صوتك في هذا المسجد ، فإن الله - تعالى - أدب قوما فقال : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] الآية .
ومدح قوما فقال : إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله [ الحجرات : 3 ] الآية .
وذم قوما فقال : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [ الحجرات : 4 ] الآية . وإن حرمته ميتا كحرمته حيا .
فاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله ، أستقبل القبلة ، وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه ، وهو وسيلتك ، ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله - تعالى - يوم القيامة ؟ بل استقبله ، واستشفع به ، فيشفعه الله ، قال الله - تعالى - : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ النساء : 64 ] الآية .
[ ص: 402 ] وقال مالك ، وقد سئل عن : ما حدثتكم عن أحد إلا أيوب السختياني وأيوب أفضل منه :
وقال : وحج حجتين ، فكنت أرمقه ، ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى أرحمه .
فلما رأيت منه ما رأيت ، وإجلاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتبت عنه .
وقال : كان مصعب بن عبد الله مالك إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - يتغير لونه ، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه ، فقيل له يوما في ذلك ، فقال : لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون ، ولقد كنت أرى ، وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه . محمد بن المنكدر
ولقد كنت أرى ، وكان كثير الدعابة ، والتبسم ، فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - اصفر . وما رأيته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على طهارة . جعفر بن محمد الصادق
وقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال : إما مصليا ، وإما صامتا ، وإما يقرأ القرآن ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء ، والعباد الذين يخشون الله عز وجل .
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم ، وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ولقد كنت آتي فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع . عامر بن عبد الله بن الزبير
ولقد رأيت ، وكان من أهنإ الناس ، وأقربهم ، فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه ما عرفك ، ولا عرفته . الزهري
ولقد كنت آتي ، وكان من المتعبدين المجتهدين ، فإذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى ، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ، ويتركوه . صفوان بن سليم
[ ص: 403 ] وروي عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل ، والزويل .
ولما كثر على مالك الناس قيل له : لو جعلت مستمليا يسمعهم ؟ فقال : قال الله - تعالى - : ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] ، وحرمته حيا ، وميتا سواء .
وكان ربما يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خشع . ابن سيرين
وكان إذا قرأ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالسكوت ، وقال : عبد الرحمن بن مهدي لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [ الحجرات : 2 ] ، ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله .