فصل المرتبة الرابعة مرتبة التحديث
وهذه دون مرتبة الوحي الخاص ، وتكون دون مرتبة الصديقين ، كما كانت ل رضي الله عنه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فعمر بن الخطاب إنه كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في هذه الأمة .
وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يقول : جزم بأنهم كائنون في الأمم قبلنا ، وعلق وجودهم في هذه الأمة ب " إن " الشرطية ، مع أنها أفضل الأمم ، لاحتياج الأمم قبلنا إليهم ، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها ورسالته ، فلم يحوج الله الأمة بعده إلى محدث ولا ملهم ، ولا صاحب كشف ولا منام ، فهذا التعليق لكمال الأمة واستغنائها لا لنقصها .
والمحدث : هو الذي يحدث في سره وقلبه بالشيء ، فيكون كما يحدث به .
[ ص: 64 ] قال شيخنا : والصديق أكمل من المحدث ، لأنه استغنى بكمال صديقيته ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف ، فإنه قد سلم قلبه كله وسره وظاهره وباطنه للرسول ، فاستغنى به عما منه .
قال : وكان هذا المحدث يعرض ما يحدث به على ما جاء به الرسول ، فإن وافقه قبله ، وإلا رده ، فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث .
قال : وأما ، فصحيح أن قلبه حدثه ، ولكن عمن ؟ عن شيطانه ، أو عن ربه ؟ فإذا قال : حدثني قلبي عن ربي ، كان مسندا الحديث إلى من لم يعلم أنه حدثه به ، وذلك كذب ، قال : ومحدث الأمة لم يكن يقول ذلك ، ولا تفوه به يوما من الدهر ، وقد أعاذه الله من أن يقول ذلك ، بل كتب كاتبه يوما : هذا ما أرى الله أمير المؤمنين ما يقوله كثير من أصحاب الخيالات والجهالات : حدثني قلبي عن ربي فقال : لا ، امحه واكتب : هذا ما رأى عمر بن الخطاب ، فإن كان صوابا فمن الله ، وإن كان خطأ فمن عمر بن الخطاب ، عمر والله ورسوله منه بريء ، وقال في الكلالة : أقول فيها برأيي ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، فهذا قول المحدث بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنت ترى الاتحادي والحلولي والإباحي الشطاح ، والسماعي مجاهرا بالقحة والفرية ، يقول : " حدثني قلبي عن ربي " .
فانظر إلى ما بين القائلين والمرتبتين والقولين والحالين ، وأعط كل ذي حق حقه ، ولا تجعل الزغل والخالص شيئا واحدا .