فصل منزلة الاعتصام
ثم . ينزل القلب منزل الاعتصام
وهو نوعان : اعتصام بالله ، واعتصام بحبل الله ، قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وقال واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير .
والاعتصام افتعال من العصمة ، وهو التمسك بما يعصمك ، ويمنعك من [ ص: 458 ] المحذور والمخوف ، فالعصمة : الحمية ، والاعتصام : الاحتماء ، ومنه سميت القلاع : العواصم ، لمنعها وحمايتها .
ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله ، والاعتصام بحبله ، ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين .
فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة ، والاعتصام به يعصم من الهلكة ، فإن السائر إلى الله كالسائر على طريق نحو مقصده ، فهو محتاج إلى هداية الطريق ، والسلامة فيها ، فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له ، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة ، وأن يهديه إلى الطريق ، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها .
يوجب له الهداية واتباع الدليل ، والاعتصام بالله ، يوجب له القوة والعدة والسلاح ، والمادة التي يستلئم بها في طريقه ، ولهذا اختلفت عبارات السلف في الاعتصام بحبل الله ، بعد إشارتهم كلهم إلى هذا المعنى . فالاعتصام بحبل الله
فقال : تمسكوا بدين الله . ابن عباس
وقال : هو الجماعة ، وقال : عليكم بالجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة . ابن مسعود
وقال مجاهد و عطاء : بعهد الله ، وقال قتادة و وكثير من أهل التفسير : هو القرآن . السدي
قال رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود وقال إن هذا القرآن هو حبل الله ، وهو النور المبين ، والشفاء النافع ، وعصمة من تمسك به ، ونجاة من تبعه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن علي بن أبي طالب . هو حبل الله المتين ، ولا تختلف به الألسن ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا يشبع منه العلماء
[ ص: 459 ] وقال مقاتل : بأمر الله وطاعته ، ولا تفرقوا كما تفرقت اليهود والنصارى .
وفي الموطأ من حديث مالك عن عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبي هريرة رواه إن الله يرضى لكم ثلاثا ، ويسخط لكم ثلاثا ، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويسخط لكم قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال مسلم في الصحيح .
قال صاحب المنازل : . الاعتصام بحبل الله هو المحافظة على طاعته ، مراقبا لأمره
ويريد بمراقبة الأمر القيام بالطاعة لأجل أن الله أمر بها وأحبها ، لا لمجرد العادة ، أو لعلة باعثة سوى امتثال الأمر ، كما قال في التقوى : هي العمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو ثواب الله ، وترك معصية الله على نور من الله ، تخاف عقاب الله . طلق بن حبيب
وهذا هو الإيمان والاحتساب المشار إليه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كقوله : " " و " من صام رمضان إيمانا واحتسابا " فالصيام والقيام : هو الطاعة والإيمان : مراقبة الأمر . وإخلاص الباعث : هو أن يكون الإيمان الآمر لا شيء سواه . والاحتساب : رجاء ثواب الله . من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له
فالاعتصام بحبل الله يحمي من البدعة وآفات العمل ، والله أعلم .