فصل درجات الرضا
قال : وهو
nindex.php?page=treesubj&link=19627على ثلاث درجات . الدرجة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=19627رضا العامة . وهو الرضا بالله ربا ، وتسخط عبادة ما دونه ، وهذا قطب رحى الإسلام . وهو يطهر من الشرك الأكبر .
الرضا بالله ربا : أن لا يتخذ ربا غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره . وينزل به حوائجه . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : سيدا وإلها . يعني فكيف أطلب ربا غيره ، وهو رب كل شيء ؟ وقال في أول السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ . وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة . وقال في وسطها
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا أي : أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم ، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه ؟ وهذا كتابه سيد الحكام ، فكيف نتحاكم إلى غير كتابه ؟ وقد أنزله مفصلا ، مبينا كافيا شافيا .
وأنت إذا تأملت هذه الآيات الثلاث حق التأمل ، رأيتها هي نفس الرضا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، ورأيت الحديث يترجم عنها ، ومشتقا منها . فكثير من الناس يرضى بالله ربا ، ولا يبغي ربا سواه ، لكنه لا يرضى به وحده وليا
[ ص: 179 ] وناصرا . بل يوالي من دونه أولياء . ظنا منه أنهم يقربونه إلى الله ، وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك . وهذا عين الشرك . بل التوحيد : أن لا يتخذ من دونه أولياء . والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء .
وهذا غير موالاة أنبيائه ورسله ، وعباده المؤمنين فيه . فإن هذا من تمام الإيمان ومن تمام موالاته . فموالاة أوليائه لون واتخاذ الولي من دونه لون . ومن لم يفهم الفرقان بينهما فليطلب التوحيد من أساسه . فإن هذه المسألة أصل التوحيد وأساسه .
وكثير من الناس يبتغي غيره حكما ، يتحاكم إليه ، ويخاصم إليه ، ويرضى بحكمه . وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد : أن لا يتخذ سواه ربا ، ولا إلها ، ولا غيره حكما .
nindex.php?page=treesubj&link=19635وتفسير الرضا بالله ربا : أن يسخط عبادة ما دونه . هذا هو الرضا بالله ربا . وهو من تمام الرضا بالله ربا . فمن أعطي الرضا به ربا حقه سخط عبادة ما دونه قطعا . لأن الرضا بتجريد ربوبيته يستلزم تجريد عبادته ، كما أن العلم بتوحيد الربوبية يستلزم العلم بتوحيد الإلهية .
وقوله : وهو قطب رحى الإسلام يعني أن مدار رحى الإسلام على أن يرضى العبد بعبادة ربه وحده ، وأن يسخط عبادة غيره . وقد تقدم أن العبادة هي الحب مع الذل . فكل من ذللت له وأطعته وأحببته دون الله ، فأنت عابد له .
وقوله : وهو يطهر من الشرك الأكبر . يعني أن
nindex.php?page=treesubj&link=29436الشرك نوعان : أكبر ، وأصغر ، فهذا الرضا يطهر صاحبه من الأكبر . وأما الأصغر : فيطهر منه نزوله منزلة
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين .
فَصْلٌ دَرَجَاتُ الرِّضَا
قَالَ : وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19627عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ . الدَّرَجَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=19627رِضَا الْعَامَّةِ . وَهُوَ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَتَسَخُّطُ عِبَادَةِ مَا دُونِهِ ، وَهَذَا قُطْبُ رَحَى الْإِسْلَامِ . وَهُوَ يُطَهِّرُ مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ .
الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا : أَنْ لَا يَتَّخِذَ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَسْكُنُ إِلَى تَدْبِيرِهِ . وَيُنْزِلُ بِهِ حَوَائِجَهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : سَيِّدًا وَإِلَهًا . يَعْنِي فَكَيْفَ أَطْلُبُ رَبًّا غَيْرَهُ ، وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ؟ وَقَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَعْنِي مَعْبُودًا وَنَاصِرًا وَمُعِينًا وَمَلْجَأً . وَهُوَ مِنَ الْمُوَالَاةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْحُبَّ وَالطَّاعَةَ . وَقَالَ فِي وَسَطِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا أَيْ : أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي مَنْ يَحْكُمُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، فَنَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ ؟ وَهَذَا كِتَابُهُ سَيِّدُ الْحُكَّامِ ، فَكَيْفَ نَتَحَاكَمُ إِلَى غَيْرِ كِتَابِهِ ؟ وَقَدْ أَنْزَلَهُ مُفَصَّلًا ، مُبَيَّنًا كَافِيًا شَافِيًا .
وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، رَأَيْتَهَا هِيَ نَفْسَ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا ، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا ،
وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا ، وَرَأَيْتَ الْحَدِيثَ يُتَرْجِمُ عَنْهَا ، وَمُشْتَقًّا مِنْهَا . فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرْضَى بِاللَّهِ رَبًّا ، وَلَا يَبْغِي رَبًّا سِوَاهُ ، لَكِنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ وَحْدَهُ وَلِيًّا
[ ص: 179 ] وَنَاصِرًا . بَلْ يُوَالِي مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ . ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ يُقَرِّبُونَهُ إِلَى اللَّهِ ، وَأَنَّ مُوَالَاتَهُمْ كَمُوَالَاةِ خَوَاصِّ الْمَلِكِ . وَهَذَا عَيْنُ الشِّرْكِ . بَلِ التَّوْحِيدُ : أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ . وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ وَصْفِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ .
وَهَذَا غَيْرُ مُوَالَاةِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ . فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَمِنْ تَمَامِ مُوَالَاتِهِ . فَمُوَالَاةُ أَوْلِيَائِهِ لَوْنٌ وَاتِّخَاذُ الْوَلِيِّ مِنْ دُونِهِ لَوْنٌ . وَمَنْ لَمْ يَفْهَمِ الْفُرْقَانَ بَيْنَهُمَا فَلْيَطْلُبِ التَّوْحِيدَ مِنْ أَسَاسِهِ . فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَصْلُ التَّوْحِيدِ وَأَسَاسُهُ .
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَبْتَغِي غَيْرَهُ حَكَمًا ، يَتَحَاكَمُ إِلَيْهِ ، وَيُخَاصِمُ إِلَيْهِ ، وَيَرْضَى بِحُكْمِهِ . وَهَذِهِ الْمَقَامَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ أَرْكَانُ التَّوْحِيدِ : أَنْ لَا يَتَّخِذَ سِوَاهُ رَبًّا ، وَلَا إِلَهًا ، وَلَا غَيْرَهُ حَكَمًا .
nindex.php?page=treesubj&link=19635وَتَفْسِيرُ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا : أَنْ يَسْخَطَ عِبَادَةَ مَا دُونَهُ . هَذَا هُوَ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا . وَهُوَ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاللَّهِ رَبًّا . فَمَنْ أُعْطِيَ الرِّضَا بِهِ رَبًّا حَقُّهُ سُخْطُ عِبَادَةِ مَا دُونَهُ قَطْعًا . لِأَنَّ الرِّضَا بِتَجْرِيدِ رُبُوبِيَّتِهِ يَسْتَلْزِمُ تَجْرِيدَ عِبَادَتِهِ ، كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ : وَهُوَ قُطْبُ رَحَى الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَنَّ مَدَارَ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَحْدَهُ ، وَأَنْ يَسْخَطَ عِبَادَةَ غَيْرِهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الْحُبُّ مَعَ الذُّلِّ . فَكُلُّ مَنْ ذَلَلْتَ لَهُ وَأَطَعْتَهُ وَأَحْبَبْتَهُ دُونَ اللَّهِ ، فَأَنْتَ عَابِدٌ لَهُ .
وَقَوْلُهُ : وَهُوَ يُطَهِّرُ مِنَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ . يَعْنِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29436الشِّرْكَ نَوْعَانِ : أَكْبَرُ ، وَأَصْغَرُ ، فَهَذَا الرِّضَا يُطَهِّرُ صَاحِبَهُ مِنَ الْأَكْبَرِ . وَأَمَّا الْأَصْغَرُ : فَيُطَهِّرُ مِنْهُ نُزُولُهُ مَنْزِلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .