فصل في كلمات في حقيقة الصدق
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16500عبد الواحد بن زيد :
nindex.php?page=treesubj&link=19475الصدق : الوفاء لله بالعمل .
وقيل : موافقة السر النطق .
وقيل : استواء السر والعلانية . يعني أن الكاذب علانيته خير من سريرته . كالمنافق الذي ظاهره خير من باطنه .
وقيل : الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة .
وقيل : كلمة الحق عند من تخافه وترجوه .
وقال
الجنيد : الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة . والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة .
وهذا الكلام يحتاج إلى شرح . وقد يسبق إلى الذهن خلافه ، وأن الكاذب متلون . لأن الكذب ألوان ، فهو يتلون بتلونه . والصادق مستمر على حالة واحدة . فإن الصدق واحد في نفسه ، وصاحبه لا يتلون ولا يتغير .
لكن مراد
الشيخ أبي القاسم صحيح غير هذا . فإن المعارضات والواردات التي ترد على الصادق لا ترد على الكاذب المرائي . بل هو فارغ منها . فإنه لا يرد عليه من قبل الحق موارد الصادقين على الكاذبين المرائين . ولا يعارضهم الشيطان . كما يعارض الصادقين . فإنه لا أرب له في خربة لا شيء فيها . وهذه الواردات توجب تقلب الصادق بحسب اختلافها وتنوعها . فلا تراه إلا هاربا من مكان إلى مكان ومن عمل إلى عمل . ومن حال إلى حال . ومن سبب إلى سبب . لأنه يخاف في كل حال يطمئن إليها . ومكان
[ ص: 263 ] وسبب : أن يقطعه عن مطلوبه . فهو لا يساكن حالة ولا شيئا دون مطلوبه . فهو كالجوال في الآفاق في طلب الغنى الذي يفوق به الأغنياء . والأحوال والأسباب تتقلب به ، وتقيمه وتقعده ، وتحركه وتسكنه ، حتى يجد فيها ما يعينه على مطلوبه . وهذا عزيز فيها . فقلبه في تقلب ، وحركة شديدة بحسب سعة مطلوبه . وعظمته وهمته أعلى من أن يقف دون مطلبه على رسم أو حال ، أو يساكن شيئا غيره . فهو كالمحب الصادق ، الذي همته التفتيش على محبوبه . وكذا حال الصادق في طلب العلم ، وحال الصادق في طلب الدنيا . فكل صادق في طلب شيء لا يستقر له قرار . ولا يدوم على حالة واحدة .
وأيضا : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19482الصادق مطلوبه رضا ربه ، وتنفيذ أوامره ، وتتبع محابه . فهو متقلب فيها يسير معها أين توجهت ركائبها . ويستقل معها أين استقلت مضاربها فبينا هو في صلاة إذ رأيته في ذكر ثم في غزو ، ثم في حج . ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره ، من أنواع النفع . ثم في أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر . أو في قيام بسبب في عمارة الدين والدنيا ، ثم في عيادة مريض ، أو تشييع جنازة . أو نصر مظلوم - إن أمكن - إلى غير ذلك من أنواع القرب والمنافع .
فهو في تفرق دائم لله ، وجمعية على الله . لا يملكه رسم ولا عادة ولا وضع . ولا يتقيد بقيد ولا إشارة . ولا بمكان معين يصلي فيه لا يصلي في غيره . وزي معين لا يلبس سواه . وعبادة معينة لا يلتفت إلى غيرها ، مع فضل غيرها عليها ، أو هي أعلى من غيرها في الدرجة . وبعد ما بينهما كبعد ما بين السماء والأرض .
فإن البلاء والآفات والرياء والتصنع ، وعبادة النفس ، وإيثار مرادها ، والإشارة إليها : كلها في هذه الأوضاع ، والرسوم والقيود ، التي حبست أربابها عن السير إلى قلوبهم . فضلا عن السير من قلوبهم إلى الله تعالى . فإذا خرج أحدهم عن رسمه ووضعه وزيه وقيده وإشارته - ولو إلى أفضل منه - استهجن ذلك . ورآه نقصا ، وسقوطا من أعين الناس ، وانحطاطا لرتبته عندهم . وهو قد انحط وسقط من عين الله .
وقد يحس أحدهم ذلك من نفسه وحاله . ولا تدعه رسومه وأوضاعه وزيه وقيوده : أن يسعى في ترميم ذلك وإصلاحه . وهذا شأن الكذاب المرائي الذي يبدي للناس خلاف ما يعلمه الله من باطنه ، العامل على عمارة نفسه ومرتبته . وهذا هو النفاق بعينه . ولو كان عاملا على مراد الله منه ، وعلى الصدق مع الله : لأثقلته تلك القيود . وحبسته تلك الرسوم . ولرأى الوقوف عندها ومعها عين الانقطاع عن الله لا إليه . ولما بالى أي ثوب لبس ، ولا أي عمل عمل ، إذا كان على مراد الله من العبد .
[ ص: 264 ] فكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14020أبي القاسم الجنيد حق ، كلام راسخ في الصدق ، عالم بتفاصيله وآفاته ، ومواضع اشتباهه بالكذب .
وأيضا فحمل الصدق كحمل الجبال الرواسي . لا يطيقه إلا أصحاب العزائم . فهم يتقلبون تحته تقلب الحامل بحمله الثقيل . والرياء والكذب خفيف كالريشة لا يجد له صاحبه ثقلا ألبتة . فهو حامل له في أي موضع اتفق ، بلا تعب ولا مشقة ولا كلفة . فهو لا يتقلب تحت حمله ولا يجد ثقله .
وقال بعضهم : لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره .
وقال بعضهم : الصادق الذي يتهيأ له أن يموت ولا يستحيي من سره لو كشف ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فتمنوا الموت إن كنتم صادقين .
قلت : هذه الآية فيها للناس كلام معروف .
قالوا : إنها معجزة النبي صلى الله عليه وسلم . أعجز بها
اليهود . ودعاهم إلى تمني الموت . وأخبر أنهم لا يتمنونه أبدا . وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، إذ لا يمكن الاطلاع على بواطنهم إلا بأخبار الغيب . ولم ينطق الله ألسنتهم بتمنيه أبدا .
وقالت طائفة : لما ادعت
اليهود أن لهم الدار الآخرة عند الله ، خالصة من دون الناس ، وأنهم أبناؤه وأحباؤه وأهل كرامته ، كذبهم الله في دعواهم . وقال : إن كنتم صادقين فتمنوا الموت . لتصلوا إلى الجنة دار النعيم ، فإن الحبيب يتمنى لقاء حبيبه . ثم أخبر سبحانه : أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الأوزار والذنوب الحائلة بينهم وبين ما قالوه . فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم .
وقالت طائفة - منهم
محمد بن إسحاق وغيره - هذه من جنس آية المباهلة ، وأنهم لما عاندوا ، ودفعوا الهدى عيانا . وكتموا الحق : دعاهم إلى أمر يحكم بينهم وبينه . وهو أن
[ ص: 265 ] يدعوا بالموت على الكاذب المفتري . والتمني سؤال ودعاء ، فتمنوا الموت ، وادعوا به على المبطل الكاذب المفتري .
وعلى هذا فليس المراد : تمنوه لأنفسكم خاصة كما قاله أصحاب القولين الأولين . بل معناه : ادعوا بالموت وتمنوه للمبطل . وهذا أبلغ في إقامة الحجة وبرهان الصدق ، وأسلم من أن يعارضوا رسول الله بقولهم : فتمنوه أنتم أيضا . إن كنتم محقين أنكم أهل الجنة . لتقدموا على ثواب الله وكرامته . وكانوا أحرص شيء على معارضته ، فلو فهموا منه ما ذكره أولئك لعارضوه بمثله .
وأيضا فإنا نشاهد كثيرا منهم يتمنى الموت لضره وبلائه ، وشدة حاله . ويدعو به . وهذا بخلاف تمنيه والدعاء به على الفرقة الكاذبة . فإن هذا لا يكون أبدا . ولا وقع من أحد منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ألبتة . وذلك لعلمهم بصحة نبوته وصدقه ، وكفرهم به حسدا وبغيا . فلا يتمنوه أبدا . لعلمهم أنهم هم الكاذبون . وهذا القول هو الذي نختاره . والله أعلم بما أراد من كتابه .
وقال
إبراهيم الخواص : الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه ، أو فضل يعمل فيه .
وقال
الجنيد : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .
وقيل : ثلاث لا تخطئ الصادق : الحلاوة ، والملاحة ، والهيبة .
وفي أثر إلهي من صدقني في سريرته صدقته في علانيته عند خلقي .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله : أول خيانة الصديقين : حديثهم مع أنفسهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17399يوسف بن أسباط : لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصدق أحب إلي من أن أضرب بسيفي في سبيل الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي : الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب
[ ص: 266 ] الخلق من أجل صلاح قلبه . ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله . ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله . فإن كراهته لذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم . وليس هذا من علامات الصديقين .
وفي هذا نظر . لأن كراهته لاطلاع الناس على مساوئ عمله من جنس كراهته للضرب والمرض وسائر الآلام . وهذا أمر جبلي طبيعي . ولا يخرج صاحبه عن الصدق ، لاسيما إذا كان قدوة متبعا . فإن كراهته لذلك من علامات صدقه . لأن فيها مفسدتين : مفسدة ترك الاقتداء به ، واتباعه على الخير وتنفيذه . ومفسدة اقتداء الجهال به فيها . فكراهيته لاطلاعهم على مساوئ عمله : لا تنافي صدقه ، بل قد تكون من علامات صدقه .
نعم المنافي للصدق : أن لا يكون له مراد سوى عمارة حاله عندهم ، وسكناه في قلوبهم تعظيما له .
nindex.php?page=treesubj&link=19479_19475فلو كان مراده تنفيذا لأمر الله ، ونشرا لدينه ، وأمرا بالمعروف ، ونهيا عن المنكر ، ودعوة إلى الله : فهذا الصادق حقا . والله يعلم سرائر القلوب ومقاصدها .
وأظن أن هذا هو مراد
nindex.php?page=showalam&ids=15166المحاسبي بقوله : ولا يكره اطلاع الناس على السيئ من عمله فإنهم يريدون ذلك فضولا ، ودخولا فيما لا يعني . فرضي الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق حيث قال : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عناقا - أو عقالا - كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . فهذا وأمثاله يعدونه ويرونه من سيئ الأعمال عند العوام والجهال .
وقال بعضهم : من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت .
قيل : وما الفرض الدائم ؟ قال : الصدق .
وقيل : من طلب الله بالصدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحق والباطل .
وقيل : عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك . فإنه ينفعك . ودع الكذب حيث
[ ص: 267 ] ترى أنه ينفعك . فإنه يضرك . وقيل : ما أملق تاجر صدوق .
فَصْلٌ فِي كَلِمَاتٍ فِي حَقِيقَةِ الصِّدْقِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16500عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ :
nindex.php?page=treesubj&link=19475الصِّدْقُ : الْوَفَاءُ لِلَّهِ بِالْعَمَلِ .
وَقِيلَ : مُوَافَقَةُ السِّرِّ النُّطْقَ .
وَقِيلَ : اسْتِوَاءُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ . يَعْنِي أَنَّ الْكَاذِبَ عَلَانِيَتُهُ خَيْرٌ مِنْ سَرِيرَتِهِ . كَالْمُنَافِقِ الَّذِي ظَاهِرُهُ خَيْرٌ مِنْ بَاطِنِهِ .
وَقِيلَ : الصِّدْقُ : الْقَوْلُ بِالْحَقِّ فِي مَوَاطِنِ الْهَلَكَةِ .
وَقِيلَ : كَلِمَةُ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ تَخَافُهُ وَتَرْجُوهُ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : الصَّادِقُ يَتَقَلَّبُ فِي الْيَوْمِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً . وَالْمُرَائِي يَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ . وَقَدْ يَسْبِقُ إِلَى الذِّهْنِ خِلَافُهُ ، وَأَنَّ الْكَاذِبَ مُتَلَوِّنٌ . لِأَنَّ الْكَذِبَ أَلْوَانٌ ، فَهُوَ يَتَلَوَّنُ بِتَلَوُّنِهِ . وَالصَّادِقُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ . فَإِنَّ الصِّدْقَ وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ ، وَصَاحِبُهُ لَا يَتَلَوَّنُ وَلَا يَتَغَيَّرُ .
لَكِنَّ مُرَادَ
الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ صَحِيحٌ غَيْرُ هَذَا . فَإِنَّ الْمُعَارَضَاتِ وَالْوَارِدَاتِ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الصَّادِقِ لَا تَرِدُ عَلَى الْكَاذِبِ الْمُرَائِي . بَلْ هُوَ فَارِغٌ مِنْهَا . فَإِنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْحَقِّ مَوَارِدُ الصَّادِقِينَ عَلَى الْكَاذِبِينَ الْمُرَائِينَ . وَلَا يُعَارِضُهُمُ الشَّيْطَانُ . كَمَا يُعَارِضُ الصَّادِقِينَ . فَإِنَّهُ لَا أَرَبَ لَهُ فِي خَرِبَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا . وَهَذِهِ الْوَارِدَاتُ تُوجِبُ تَقَلُّبَ الصَّادِقِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهَا وَتَنَوُّعِهَا . فَلَا تَرَاهُ إِلَّا هَارِبًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَمِنْ عَمَلٍ إِلَى عَمَلٍ . وَمِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ . وَمِنْ سَبَبٍ إِلَى سَبَبٍ . لِأَنَّهُ يَخَافُ فِي كُلِّ حَالٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا . وَمَكَانٍ
[ ص: 263 ] وَسَبَبٍ : أَنْ يَقْطَعَهُ عَنْ مَطْلُوبِهِ . فَهُوَ لَا يُسَاكِنُ حَالَةً وَلَا شَيْئًا دُونَ مَطْلُوبِهِ . فَهُوَ كَالْجَوَّالِ فِي الْآفَاقِ فِي طَلَبِ الْغِنَى الَّذِي يَفُوقُ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ . وَالْأَحْوَالُ وَالْأَسْبَابُ تَتَقَلَّبُ بِهِ ، وَتُقِيمُهُ وَتُقْعِدُهُ ، وَتُحَرِّكُهُ وَتُسَكِّنُهُ ، حَتَّى يَجِدَ فِيهَا مَا يُعِينُهُ عَلَى مَطْلُوبِهِ . وَهَذَا عَزِيزٌ فِيهَا . فَقَلْبُهُ فِي تَقَلُّبٍ ، وَحَرَكَةٍ شَدِيدَةٍ بِحَسَبِ سَعَةِ مَطْلُوبِهِ . وَعَظْمَتِهِ وَهِمَّتِهِ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَقِفَ دُونَ مَطْلَبِهِ عَلَى رَسْمٍ أَوْ حَالٍ ، أَوْ يُسَاكِنَ شَيْئًا غَيْرَهُ . فَهُوَ كَالْمُحِبِّ الصَّادِقِ ، الَّذِي هِمَّتُهُ التَّفْتِيشُ عَلَى مَحْبُوبِهِ . وَكَذَا حَالُ الصَّادِقِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ، وَحَالُ الصَّادِقِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا . فَكُلُّ صَادِقٍ فِي طَلَبِ شَيْءٍ لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ . وَلَا يَدُومُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19482الصَّادِقَ مَطْلُوبُهُ رِضَا رَبِّهِ ، وَتَنْفِيذُ أَوَامِرِهِ ، وَتَتَبُّعُ مَحَابِّهِ . فَهُوَ مُتَقَلِّبٌ فِيهَا يَسِيرُ مَعَهَا أَيْنَ تَوَجَّهَتْ رَكَائِبُهَا . وَيَسْتَقِلُّ مَعَهَا أَيْنَ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهَا فَبَيْنَا هُوَ فِي صَلَاةٍ إِذْ رَأَيْتُهُ فِي ذِكْرٍ ثُمَّ فِي غَزْوٍ ، ثُمَّ فِي حَجٍّ . ثُمَّ فِي إِحْسَانٍ لِلْخَلْقِ بِالتَّعْلِيمِ وَغَيْرِهِ ، مِنْ أَنْوَاعِ النَّفْعِ . ثُمَّ فِي أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ . أَوْ فِي قِيَامٍ بِسَبَبٍ فِي عِمَارَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، ثُمَّ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ ، أَوْ تَشْيِيعِ جِنَازَةٍ . أَوْ نَصْرِ مَظْلُومٍ - إِنْ أَمْكَنَ - إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرْبِ وَالْمَنَافِعِ .
فَهُوَ فِي تَفَرُّقٍ دَائِمٍ لِلَّهِ ، وَجَمْعِيَّةٍ عَلَى اللَّهِ . لَا يَمْلِكُهُ رَسْمٌ وَلَا عَادَةٌ وَلَا وَضْعٌ . وَلَا يَتَقَيَّدُ بِقَيْدٍ وَلَا إِشَارَةٍ . وَلَا بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ يُصَلِّي فِيهِ لَا يُصَلِّي فِي غَيْرِهِ . وَزِيٍّ مُعَيَّنٍ لَا يَلْبَسُ سِوَاهُ . وَعِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا ، مَعَ فَضْلِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا ، أَوْ هِيَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهَا فِي الدَّرَجَةِ . وَبُعْدُ مَا بَيْنَهُمَا كَبُعْدِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ .
فَإِنَّ الْبَلَاءَ وَالْآفَاتِ وَالرِّيَاءَ وَالتَّصَنُّعَ ، وَعِبَادَةَ النَّفْسِ ، وَإِيثَارَ مُرَادِهَا ، وَالْإِشَارَةَ إِلَيْهَا : كُلُّهَا فِي هَذِهِ الْأَوْضَاعِ ، وَالرُّسُومَ وَالْقُيُودَ ، الَّتِي حَبَسَتْ أَرْبَابَهَا عَنِ السَّيْرِ إِلَى قُلُوبِهِمْ . فَضْلًا عَنِ السَّيْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . فَإِذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ عَنْ رَسْمِهِ وَوَضْعِهِ وَزِيِّهِ وَقَيْدِهِ وَإِشَارَتِهِ - وَلَوْ إِلَى أَفْضَلَ مِنْهُ - اسْتَهْجَنَ ذَلِكَ . وَرَآهُ نَقْصًا ، وَسُقُوطًا مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ، وَانْحِطَاطًا لِرُتْبَتِهِ عِنْدَهُمْ . وَهُوَ قَدِ انْحَطَّ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ .
وَقَدْ يُحِسُّ أَحَدُهُمْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَحَالِهِ . وَلَا تَدَعُهُ رُسُومُهُ وَأَوْضَاعُهُ وَزِيُّهُ وَقُيُودُهُ : أَنْ يَسْعَى فِي تَرْمِيمِ ذَلِكَ وَإِصْلَاحِهِ . وَهَذَا شَأْنُ الْكَذَّابِ الْمُرَائِي الَّذِي يُبْدِي لِلنَّاسِ خِلَافَ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ بَاطِنِهِ ، الْعَامِلِ عَلَى عِمَارَةِ نَفْسِهِ وَمَرْتَبَتِهِ . وَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ بِعَيْنِهِ . وَلَوْ كَانَ عَامِلًا عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ ، وَعَلَى الصِّدْقِ مَعَ اللَّهِ : لَأَثْقَلَتْهُ تِلْكَ الْقُيُودُ . وَحَبَسَتْهُ تِلْكَ الرُّسُومُ . وَلَرَأَى الْوُقُوفَ عِنْدَهَا وَمَعَهَا عَيْنَ الِانْقِطَاعِ عَنِ اللَّهِ لَا إِلَيْهِ . وَلَمَا بَالَى أَيَّ ثَوْبٍ لَبِسَ ، وَلَا أَيَّ عَمَلٍ عَمِلَ ، إِذَا كَانَ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْعَبْدِ .
[ ص: 264 ] فَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14020أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ حَقٌّ ، كَلَامُ رَاسِخٍ فِي الصِّدْقِ ، عَالِمٍ بِتَفَاصِيلِهِ وَآفَاتِهِ ، وَمَوَاضِعِ اشْتِبَاهِهِ بِالْكَذِبِ .
وَأَيْضًا فَحِمْلُ الصِّدْقِ كَحِمْلِ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي . لَا يُطِيقُهُ إِلَّا أَصْحَابُ الْعَزَائِمِ . فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ تَحْتَهُ تَقَلُّبَ الْحَامِلِ بِحِمْلِهِ الثَّقِيلِ . وَالرِّيَاءُ وَالْكَذِبُ خَفِيفٌ كَالرِّيشَةِ لَا يَجِدُ لَهُ صَاحِبُهُ ثِقَلًا أَلْبَتَّةَ . فَهُوَ حَامِلٌ لَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ اتَّفَقَ ، بِلَا تَعَبٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَلَا كُلْفَةٍ . فَهُوَ لَا يَتَقَلَّبُ تَحْتَ حِمْلِهِ وَلَا يَجِدُ ثِقَلَهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَشَمُّ رَائِحَةَ الصِّدْقِ عَبْدٌ دَاهَنَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الصَّادِقُ الَّذِي يَتَهَيَّأُ لَهُ أَنْ يَمُوتَ وَلَا يَسْتَحْيِيَ مِنْ سِرِّهِ لَوْ كُشِفَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=94فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
قُلْتُ : هَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا لِلنَّاسِ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ .
قَالُوا : إِنَّهَا مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَعْجَزَ بِهَا
الْيَهُودَ . وَدَعَاهُمْ إِلَى تَمَنِّي الْمَوْتِ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا . وَهَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَّا بِأَخْبَارِ الْغَيْبِ . وَلَمْ يُنْطِقِ اللَّهُ أَلْسِنَتَهُمْ بِتَمَنِّيهِ أَبَدًا .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَمَّا ادَّعَتِ
الْيَهُودُ أَنَّ لَهُمُ الدَّارَ الْآخِرَةَ عِنْدَ اللَّهِ ، خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ ، وَأَنَّهُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَهْلُ كَرَامَتِهِ ، كَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي دَعْوَاهُمْ . وَقَالَ : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ . لِتَصِلُوا إِلَى الْجَنَّةِ دَارِ النَّعِيمِ ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ يَتَمَنَّى لِقَاءَ حَبِيبِهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ : أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَوْزَارِ وَالذُّنُوبِ الْحَائِلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ . فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=95وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِنْهُمْ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ - هَذِهِ مِنْ جِنْسِ آيَةِ الْمُبَاهَلَةِ ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا عَانَدُوا ، وَدَفَعُوا الْهُدَى عَيَانًا . وَكَتَمُوا الْحَقَّ : دَعَاهُمْ إِلَى أَمْرٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ . وَهُوَ أَنْ
[ ص: 265 ] يَدْعُوا بِالْمَوْتِ عَلَى الْكَاذِبِ الْمُفْتَرِي . وَالتَّمَنِّي سُؤَالٌ وَدُعَاءٌ ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، وَادْعُوا بِهِ عَلَى الْمُبْطِلِ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرِي .
وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ : تَمَنُّوهُ لِأَنْفُسِكُمْ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ . بَلْ مَعْنَاهُ : ادْعُوا بِالْمَوْتِ وَتَمَنُّوهُ لِلْمُبْطِلِ . وَهَذَا أَبْلَغُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَبُرْهَانِ الصِّدْقِ ، وَأَسْلَمُ مِنْ أَنْ يُعَارِضُوا رَسُولَ اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ : فَتَمَنُّوهُ أَنْتُمْ أَيْضًا . إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ أَنَّكُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ . لِتَقْدَمُوا عَلَى ثَوَابِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ . وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى مُعَارَضَتِهِ ، فَلَوْ فَهِمُوا مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ أُولَئِكَ لَعَارَضُوهُ بِمِثْلِهِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّا نُشَاهِدُ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِضُرِّهِ وَبَلَائِهِ ، وَشِدَّةِ حَالِهِ . وَيَدْعُو بِهِ . وَهَذَا بِخِلَافِ تَمَنِّيهِ وَالدُّعَاءِ بِهِ عَلَى الْفِرْقَةِ الْكَاذِبَةِ . فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ أَبَدًا . وَلَا وَقَعَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتَّةَ . وَذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ حَسَدًا وَبَغْيًا . فَلَا يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا . لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كِتَابِهِ .
وَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ الْخَوَاصُّ : الصَّادِقُ لَا تَرَاهُ إِلَّا فِي فَرْضٍ يُؤَدِّيهِ ، أَوْ فَضْلٍ يَعْمَلُ فِيهِ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : حَقِيقَةُ الصِّدْقِ : أَنَّ تَصْدُقَ فِي مَوْطِنٍ لَا يُنْجِيكَ مِنْهُ إِلَّا الْكَذِبُ .
وَقِيلَ : ثَلَاثٌ لَا تُخْطِئُ الصَّادِقَ : الْحَلَاوَةُ ، وَالْمَلَاحَةُ ، وَالْهَيْبَةُ .
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ مَنْ صَدَقَنِي فِي سَرِيرَتِهِ صَدَقْتُهُ فِي عَلَانِيَتِهِ عِنْدَ خَلْقِي .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَوَّلُ خِيَانَةِ الصِّدِّيقِينَ : حَدِيثُهُمْ مَعَ أَنْفُسِهِمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17399يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ : لَأَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً أُعَامِلُ اللَّهَ بِالصِّدْقِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَضْرِبَ بِسَيْفِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ : الصَّادِقُ هُوَ الَّذِي لَا يُبَالِي لَوْ خَرَجَ كُلُّ قَدْرٍ لَهُ فِي قُلُوبِ
[ ص: 266 ] الْخَلْقِ مِنْ أَجْلِ صَلَاحِ قَلْبِهِ . وَلَا يُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى مَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنْ حُسْنِ عَمَلِهِ . وَلَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى السَّيِّئِ مِنْ عَمَلِهِ . فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ الزِّيَادَةَ عِنْدَهُمْ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الصِّدِّيقِينَ .
وَفِي هَذَا نَظَرٌ . لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى مَسَاوِئِ عَمَلِهِ مِنْ جِنْسِ كَرَاهَتِهِ لِلضَّرْبِ وَالْمَرَضِ وَسَائِرِ الْآلَامِ . وَهَذَا أَمْرٌ جَبَلِيٌّ طَبِيعِيٌّ . وَلَا يَخْرُجُ صَاحِبُهُ عَنِ الصِّدْقِ ، لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ قُدْوَةً مُتَّبَعًا . فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِهِ . لِأَنَّ فِيهَا مَفْسَدَتَيْنِ : مَفْسَدَةَ تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، وَاتِّبَاعِهِ عَلَى الْخَيْرِ وَتَنْفِيذِهِ . وَمَفْسَدَةَ اقْتِدَاءِ الْجُهَّالِ بِهِ فِيهَا . فَكَرَاهِيَتُهُ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَسَاوِئِ عَمَلِهِ : لَا تُنَافِي صِدْقَهُ ، بَلْ قَدْ تَكُونُ مِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِهِ .
نَعَمِ الْمُنَافِي لِلصِّدْقِ : أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مُرَادٌ سِوَى عِمَارَةِ حَالِهِ عِنْدَهُمْ ، وَسُكْنَاهُ فِي قُلُوبِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19479_19475فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ تَنْفِيذًا لِأَمْرِ اللَّهِ ، وَنَشْرًا لِدِينِهِ ، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَدَعْوَةً إِلَى اللَّهِ : فَهَذَا الصَّادِقُ حَقًّا . وَاللَّهُ يَعْلَمُ سَرَائِرَ الْقُلُوبِ وَمَقَاصِدَهَا .
وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْمُحَاسِبِيِّ بِقَوْلِهِ : وَلَا يَكْرَهُ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى السَّيِّئِ مِنْ عَمَلِهِ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ فُضُولًا ، وَدُخُولًا فِيمَا لَا يَعْنِي . فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَيْثُ قَالَ : لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا - أَوْ عِقَالًا - كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ . فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يَعُدُّونَهُ وَيَرَوْنَهُ مِنْ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ الْعَوَامِّ وَالْجُهَّالِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ الدَّائِمَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْفَرْضُ الْمُؤَقَّتُ .
قِيلَ : وَمَا الْفَرْضُ الدَّائِمُ ؟ قَالَ : الصِّدْقُ .
وَقِيلَ : مَنْ طَلَبَ اللَّهَ بِالصِّدْقِ أَعْطَاهُ مِرْآةً يُبْصِرُ فِيهَا الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ .
وَقِيلَ : عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ حَيْثُ تَخَافُ أَنَّهُ يَضُرُّكَ . فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ . وَدَعِ الْكَذِبَ حَيْثُ
[ ص: 267 ] تَرَى أَنَّهُ يَنْفَعُكَ . فَإِنَّهُ يَضُرُّكَ . وَقِيلَ : مَا أَمْلَقَ تَاجِرٌ صَدُوقٌ .