فصل
إذا عرف هذا فلا يكون العبد متحققا ب " إياك نعبد " إلا بأصلين عظيمين :
أحدهما : . متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
والثاني : ، فهذا تحقيق " الإخلاص للمعبود إياك نعبد " .
والناس منقسمون بحسب هذين الأصلين أيضا إلى أربعة أقسام :
أحدها : أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة ، وهم أهل " إياك نعبد " حقيقة ، فأعمالهم كلها لله ، وأقوالهم لله ، وعطاؤهم لله ، ومنعهم لله ، وحبهم لله ، وبغضهم لله ، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده ، لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا ، ولا ابتغاء الجاه عندهم ، ولا طلب المحمدة ، والمنزلة في قلوبهم ، ولا هربا من ذمهم ، بل قد عدوا الناس بمنزلة أصحاب القبور ، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فالعمل لأجل الناس ، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم ، ورجاؤهم للضر والنفع منهم لا يكون من عارف بهم البتة ، بل من جاهل بشأنهم ، وجاهل بربه ، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم ، ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله ، وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه ، ولا يعامل أحد الخلق دون الله إلا لجهله بالله وجهله بالخلق ، وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثر معاملة الله على معاملتهم .
وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله ، ولما يحبه ويرضاه ، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه ، وهو الذي بلا عباده بالموت والحياة لأجله ، قال الله تعالى الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملا ، قال : العمل الحسن هو [ ص: 105 ] أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا الفضيل بن عياض أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ، ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص : ما كان لله ، والصواب : ما كان على السنة ، وهذا هو المذكور في قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا وفي قوله ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه ، على متابعة أمره ، وما عدا ذلك فهو مردود على عامله ، يرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثورا ، وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعدا ، فإن الله تعالى إنما يعبد بأمره ، لا بالآراء والأهواء . " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد "