قوله " تنبت من مطالعة المنة " أي تنشأ من مطالعة العبد منة الله عليه ، ونعمه [ ص: 39 ] الباطنة والظاهرة ، فبقدر مطالعته ذلك تكون قوة المحبة . فإن ، وبغض من أساء إليها . وليس للعبد قط إحسان إلا من الله . ولا إساءة إلا من الشيطان . القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها
ومن أعظم مطالعة منة الله على عبده : تأهيله لمحبته ومعرفته ، وإرادة وجهه ، ومتابعة حبيبه . وأصل هذا : نور يقذفه الله في قلب العبد . فإذا دار ذلك النور في قلب العبد وذاته : أشرقت ذاته . فرأى فيه نفسه ، وما أهلت له من الكمالات والمحاسن . فعلت به همته . وقويت عزيمته . وانقشعت عنه ظلمات نفسه وطبعه . لأن النور والظلمة لا يجتمعان إلا ويطرد أحدهما صاحبه . فرقيت حينئذ بين الهيبة والأنس إلى الحبيب الأول .
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
قوله " وتثبت باتباع السنة " أي ثباتها إنما يكون بمتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعماله ، وأقواله وأخلاقه . فبحسب هذا الاتباع يكون منشأ هذه المحبة وثباتها وقوتها . وبحسب نقصانه يكون نقصانها ، كما تقدم : أن هذا الاتباع يوجب المحبة والمحبوبية معا . ولا يتم الأمر إلا بهما . فليس الشأن في أن تحب الله ، بل الشأن في أن يحبك الله . ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهرا وباطنا ، وصدقته خبرا ، وأطعته أمرا ، وأجبته دعوة ، وآثرته طوعا . وفنيت عن حكم غيره بحكمه ، وعن محبته غيره من الخلق بمحبته ، وعن طاعة غيره بطاعته . وإن لم يكن ذلك فلا تتعن . وارجع من حيث شئت فالتمس نورا . فلست على شيء .
وتأمل قوله فاتبعوني يحببكم الله أي الشأن في أن الله يحبكم . لا في أنكم تحبونه ، وهذا لا تنالونه إلا باتباع الحبيب - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 40 ] قوله " وتنمو على الإجابة بالفاقة " الإجابة بالفاقة : أن يجيب الداعي بموفور الأعمال . وهو خال منها . كأنه لم يعملها ، بل يجيب دعوته بمجرد الإفلاس والفقر التام . فإن طريقة الفقر والفاقة : تأبى أن يكون لصاحبها عمل ، أو حال أو مقام . وإنما يدخل على ربه بالإفلاس المحض ، والفاقة المجردة . ولا ريب أن المحبة تنمو على هذا المشهد ، وهذه الإجابة . وما أعزه من مقام . وأعلاه من مشهد . وما أنفعه للعبد ! وما أجلبه للمحبة ! والله المستعان .