فصل
قال : . ومنزل يستريح فيه . الدرجة الثانية : عطش السالك إلى أجل يطويه . ويوم يريه ما يغنيه
إما أن يريد بالأجل الذي يطويه : انقضاء مدة سجن القلب والروح في البدن ، حتى تصل إلى ربها وتلقاه ، وهذا هو الظاهر من كلامه .
وإما أن يريد به : عطشه إلى مقصود السلوك من وصوله إلى محبوبه وقرة عينه وجمعيته عليه . فهو يطوي مراحل سيره حثيثا ، ليصل إلى هذا المقصود ، وحينئذ يعود إليه سير آخر وراء هذا السير ، مع عدم مفارقته له . فإنه إنما وصل به إليه . فلو فارقه لانقطع انقطاعا كليا . ولكن يبقى له سير ، وهو مستلق على ظهره ، يسبق به السعاة .
[ ص: 65 ] ويرجح هذا المعنى الثاني : أن المريد الصادق لا يحب الخروج من الدنيا ، حتى يقضي نحبه ، لعلمه أنه لا سبيل إلى انقضائه في غير هذه الدار . فإذا علم أنه قد قضى نحبه : أحب حينئذ الخروج منها . ولكن لا يقضي نحبه حتى يوفي ما عليه .
والناس ثلاثة : موف قد قضى نحبه ، ومنتظر للوفاء ساع فيه حريص عليه ، ومفرط في وفاء ما عليه من الحقوق . والله المستعان .
قوله " ويوم يريه ما يغنيه " أي يوم يرى فيه ما يغني قلبه ، ويسد فاقته من قرة عينه بمطلوبه ومراده .
قوله " ومنزل يستريح فيه " أي منزل من منازل السير ، ومقام من مقامات الصادقين ، يستريح فيه قلبه ، ويسكن فيه . ويخلص من تلون الأحوال عليه . فإن المقامات منازل والأحوال مراحل . فصاحب الحال شديد العطش إلى مقام يستقر فيه وينزله .