[ ص: 79 ] فصل في منزلة الهيمان
وقد يعرض للسالك عند ورود بعض المعاني والواردات العجيبة على قلبه : فرط تعجب ، واستحسان واستلذاذ ، يزيل عنه تماسكه ، فيورثه ذلك الهيمان .
وليس ذلك من مقامات السير ، ولا منازل الطريق المقصودة بالنزول فيها للمسافرين . خلافا لصاحب المنازل . حيث عد ذلك من أعلى المنازل وغاياتها ، وعبر عنه ولهذا ليس له ذكر في القرآن ، ولا في السنة ، ولا في لسان سلف القوم . بمنزلة الهيمان
وقد تكلف له صاحب المنازل الاستشهاد بقوله تعالى وخر موسى صعقا وما أبعد الآية من استشهاده . وكأنه ظن أن موسى ذهب عن تماسكه ، لما ورد عليه في حالة الخطاب والتكليم الإلهي فأورثه ذلك هيمانا صعق منه ، وليس كما ظنه . وإنما صعق موسى عند تجلي الرب تعالى للجبل واضمحلاله ، وتدكدكه من تجلي الرب تعالى .
فالاستشهاد بالآية في منزلة الفناء التي تضمحل فيها الرسوم : أنسب وأظهر . لأن تدكدك الجبل : هو اضمحلال رسمه عند ورود نور التجلي عليه . والصعق فناء في هذه الحال لهذا الوارد المفني لبشرية موسى عليه الصلاة والسلام .
وقد حده بأنه الذهاب عن التماسك تعجبا أو حيرة .
يعني : أن الهائم لا يقدر على إمساك نفسه للوارد تعجبا منه وحيرة .
قال : وهو أثبت دواما ، وأملك للنعت من الدهش .
يعني : أن الهائم قد يستمر هيمانه مدة طويلة . بخلاف المدهوش . وصاحب الهيمان يملك عنان القول . فيصرفه كيف يشاء . ويتمكن من التعبير عنه . وأما الدهش : فلضيق معناه ، وقصر زمانه : لم يملك النعت . فالهائم أملك بنعت حاله ووارده من المدهوش .