فصل
قال : . فيستقصر فيه العبد الطويل من الأمل ، ويزهد في الخلق على القرب . ويرغب في تطهير السر . الدرجة الثانية : برق يلمع من جانب الوعيد في عين الحذر
هذا البرق أفقه وعينه : غير أفق البرق الأول . فإن هذا يلمع من أفق الحذر ، وذاك من أفق الرجاء . فإذا شام هذا البرق : استقصر فيه الطويل من الأمل . وتخيل في كل وقت : أن المنية تعافصه وتفاجئه .
فاشتد حذره من هجومها ، مخافة أن تحل به عقوبة الله ، ويحال بينه وبين الاستعتاب والتأهب لللقاء . فيلقى ربه قبل الطهر التام . فلا يؤذن له بالدخول عليه بغير طهارة . كما أنه لم يؤذن له في دار التكليف بالدخول عليه للصلاة بغير طهارة .
[ ص: 84 ] وهذا يذكر العباد بالتطهر للموافاة والقدوم عليه ، والدخول وقت اللقاء لمن عقل عن الله ، وفهم أسرار العبادات . فإذا كان العبد لا يدخل عليه حتى يستقبل بيته المحرم بوجهه ، ويستر عورته ، ويطهر بدنه وثيابه ، وموضع مقامه بين يديه . ثم يخلص له النية . فهكذا الدخول عليه وقت اللقاء ، لا يحصل إلا بأن يستقبل ربه بقلبه كله . ويستر عوراته الباطنة بلباس التقوى . ويطهر قلبه وروحه وجوارحه من أدناسها الظاهرة والباطنة . ويتطهر لله طهرا كاملا . ويتأهب للدخول أكمل تأهب . وأوقات الصلاة نظير وقت الموافاة .
فإذا تأهب العبد قبل الوقت : جاءه الوقت وهو متأهب . فيدخل على الله . وإذا فرط في التأهب : خيف عليه من خروج الوقت قبل التأهب . إذ هجوم وقت الموافاة مضيق لا يقبل التوسعة . فلا يمكن العبد من التطهر والتأهب عند هجوم الوقت . بل يقال له : هيهات ، فات ما فات ، وقد بعدت بينك وبين التطهر المسافات . فمن شام برق الوعيد بقصر الأمل : لم يزل على طهارة .
وأما " تزهيده في الخلق على القرب " وإن كانوا أقاربه أو مناسبيه ، أو مجاوريه وملاصقيه ، أو معاشريه ومخالطيه : فلكمال حذره ، واستعداده واشتغاله بما أمامه ، وملاحظة الوعيد من أفق ذلك البارق الذي ليس بخلب ، بل هو أصدق بارق .
ويحتمل أن يريد بقوله عن قرب أي عن أقرب وقت . فلا ينتظر بزهده فيهم : أملا يؤمله . ولا وقتا يستقبله .
قوله " ويرغب في تطهير السر " يعني تطهير سره عما سوى الله . وقد تقدم بيانه .